- المدينة صامتة لا تتكلم.. الصبية دست هذه العبارة في أذن أبيها، وهو يتجول بها وإخوتها في ظهيرة الخميس.. - كيف لا تتكلم المدينة صغيرتي..؟ - مثلا الملاهي مغلقة، المكتبات مغلقة، في الظهيرة ليس غير «المولات» الفخمة، والمطاعم... هل علينا أن نأكل فقط لنشعر بأن الحياة تتحدث من حولنا..؟ أجابته.. - نظر لزوجته الجالسة بجواره، حرك رأسه إعجابا بصغيرته ثم سألها: ألا تريديننا أن ندلف بوابة مطعم في المدينة لتسمعي صوتها..؟ قالت: لا، مللت الأكل، وأكاد أن أكره المطاعم، تزكمني رائحة الشواء فيها، تلوث ثيابي، عندما أخرج منها، أشمها عالقة بها... - هذه المطاعم الشعبية، التي يرتادها من يحب الأكل السريع، أو المجهز أمام المرتادين..لنذهب لمطعم في أحد الفنادق، ولن تشمي رائحة، ولا تتلوث ثيابك برائحة الطعام..قال أبوها.. هزت رأسها بالرفض، قالت: أريد صوت المدينة.. أريد أن أجد بوابات المكتبات مفتوحة، صوت حفيف الورق أجمل من حركة الأطباق, وأريد الملاهي مشرعة، فعجلات المركبات والأطباق الطائرة، وأزيز قطار الرعب ينقلني لمتعة نفسية كبيرة، هذه أصوات المدينة تخصص بها انتباهها لنا، الفشار، وحلوى القطن، والبليلة، والقفز، والضحك كلها منا ولنا، نشكل بها صوت المدينة،.. لا تعجبني عربات الشوارع السريعة، هي صوت نشاز للمدينة، فيها رائحة الموت, والقلق،.. فيها مشاعر أنانية لا حب فيها للجميع, الملاهي والمكتبة للجميع، تفرحنا كلنا، تمنحنا كلنا، تصغي لنا كلنا,.. أبي عد بنا للبيت.. زادت دهشته وسألها: وإخوتك..؟ ألا تحبين أن يفرحوا كما يشاؤون..؟ قالت: نعم.. هناك أصوات في داخلي يمكن أن أسكتها من أجلهم.. غير أن إخوتها أيدوا طلبها، «لنعد للبيت».. تلفتت إليهم الأم متسائلة لماذا..؟ جاءت إجابتهم، هناك نلعب معا دون أن تقيدنا جلسة رسمية في مطعم، أو حزام هدوء في عربة... ضحكت الصبية وهي تقول: كل يوم أمضي من وقتي في شرح مفهوم صوت المدينة الذي أحب لإخوتي.. الصبية في الثالثة عشر من عمرها... تمضي كثيرا من وقتها في القراءة الحرة يوميا.. تسرد أسماء عشرات من العلماء والمخترعين والأدباء.. تحفظ كثيرا من النصوص الجميلة والقصائد.. تتابع الآن،.. لماذا أختير أحمد زويل أفضل وأنجح عالم في العالم..؟ تقول: «أنتظر المرحلة القادمة من عمري لأساعد في تشكيل صوت مدينتي».. هي صوت جميل.. جزء من صوت المدينة، بل الوطن..