كل يومٍ يمر يتأكد لي أنّ نظام بشار في سوريا لن تقوم له قائمة؛ والأمر مجرّد وقت ليس إلاّ؛ غير أنّ السؤال: ماذا بعد سقوط النظام؟ الروس يصرّون على أنّ البديل للنظام هي الحرب الأهلية، في محاولة لتبرير موقفهم المساند للأسد، رغم الفظائع التي يرتكبها هذا النظام الدموي. بينما اللبنانيون المؤيِّدون للنظام، والذين هم في الغالب من صنائع هذا النظام، يروِّجون في تبريرهم لموقفهم المساند للنظام بأنّ النظام السوري القائم ضمان (للأقليات) في سوريا ولبنان، وأنّ سقوطه يعني أنّ هناك خطراً حقيقياً سيكتنف وجود الأقليات، وليس فقط حقوقهم؛ والمثال الجاهز هجرة مسيحيي العراق بأعداد كبيرة من العراق بعد سقوط صدام، واتجاه أقطاب الإسلام الإقصائي هناك إلى إرهاب المسيحيين، لدفعهم نحو الهجرة، وترك العراق. التبرير الروسي قد يكون احتمالاً معقولاً؛ فهو من ضمن الاحتمالات التي لا يمكن تجاوزها عند قراءة ما يجري على الساحة الداخلية في سوريا؛ فالحرب الأهلية قد يدفعُ إليها نظام الأسد مختاراً، لأنها المخرج الوحيد الذي سيخلص أزلام النظام من التتبُّع والمحاسبة والعقاب، لذلك فإنّ إشعال الحرب الأهلية سيؤدي حتماً إلى اصطفافات طائفية، تدفع بالمجتمع السوري إلى التشرذم ثم التطاحن طائفياً، وتصبح سوريا كما كانت لبنان عندما اشتعلت فيها الحرب الأهلية في نهايات القرن الماضي، واتخذت فيما بعد شكلاً طائفياً، ومازالت تبعاتها تكتنف المجتمع اللبناني، وتشكِّل ثقافته حتى الآن. غير أنّ القول إنّ نظام الأسد هو الضمانة (الوحيدة) لحماية الأقليات في سوريا ولبنان، هو تبرير خطير، ولا يمكن قبوله إطلاقاً، لأنه يفتقر إلى الأدلة والشواهد؛ ومفتعل؛ فضلاً عن أنّ اختلاق مثل هذه (الفزاعة) هو في تقديري محاولة لتبرير تشبُّث بعض اللبنانيين، وبالذات المسيحيين والشيعة، بهذا النظام الدموي القميء.. الفسيفساء الطائفية والمذهبية والعرقية هي إحدى مظاهر تشكُّلات مجتمعات عرب الشمال، سواء في سوريا أو غيرها من دول الشمال العربي، منذ أن كان الإنسان على هذه الرقعة من الأرض. تعايش هذه الطوائف والإثنيات كانت قبل النظام، وستبقى بعد النظام حتماً؛ أن يرتبط أمن ناهيك عن بقاء هذه الأقليات بالرئيس الأسد ونظامه القمعي أمر في غاية الخطورة، يعني أنّ بقاء هذه الأقليات وأمنها لا يمكن أن يتحقق إلاّ من خلال القمع والسحق وإراقة الدماء؛ وهذا في رأيي تبرير ليس خاطئاً فحسب وإنما (كارثي)، يجعل بقاء نظام الأسد الدموي وبقاء الأقليات وأمنهم متوقفاً على إبادة الأغلبية من السوريين السنّة كما يفعل الأسد؛ وهذه مقولة كارثية في تبعاتها. الغريب أنّ أكثر المسوِّقين لفكرة أنّ بقاء الأسد ضمان لبقاء الأقليات هم اللبنانيون. ولبنان تحديداً كان أكثر دولة عانت من تعسُّف وظلم وتنكيل نظام الأسد - الأب والابن معاً - خلال أكثر من ثلاثين عاماً؛ بل هناك كثير من المؤشرات والشواهد تؤكد أنّ النظام الأسدي كان يَنفُذ إلى الداخل اللبناني من خلال إشعال الحرائق الطائفية، مستغلاً هذه الأقليات في تنفيذ هيمنته على لبنان؛ ويندر أن تجد طائفة معيّنة لم تمتد إليها ذراع الأسد إما من خلال التصفيات، أو من خلال تنصيب أحد أزلامه لقيادة هذه الطائفة رغماً عن رأي أبناء الطائفة في الغالب؛ لذلك فإنّ جميع من يصطفون مع الأسد ضد شعبه من اللبنانيين سيدفعون ثمناً غالياً بعد سقوطه؛ فالشعوب لا ترحم ولا تتفّهم الدوافع والأسباب،؛ فمن وقف مع الأسد سيدفع الثمن مهما كانت مبرّراته؛ وكل ما نرجوه ألاّ تمتد مسؤولية مواقف زعماء الطوائف، أزلام الأسد، لتشمل طوائفهم بعد سقوط الفرعون. إلى اللقاء.