الأمير سلمان وزيراً للدفاع. إذا لم يكن سلمان فمن يكون إذن؟ رجل تتجلى القيادة والإدارة في كل سطر من كتاب حياته الحافلة، تسعة وخمسون عاماً في الإدارة، بدأت حينما تولى إمارة الرياض نيابة عن أخيه الأمير نايف، ثم عاد مرة أخرى أميراً للرياض، واستمر إلى أن تم تعيينه وزيراً للدفاع في مهمة لا تخلو من صعوبات، ولكن لرجل آخر غير سلمان، ذلك الإداري المحنك والخبير، الذي تتميز شخصيته ببعد إداري يظهر بوضوح على قسماته؛ فالكل قد قرأ ملامح الحزن على وجهه في مواقف كثيرة تعبِّر بوضوح عن مدى ما يتمتع به سموه من حب متبادل مع الناس، وهذا ما يسمى في علم الإدارة بالعلاقات الإنسانية؛ فسموه صادق مع البعيد فما بالكم بأقرب بالأقربين؟ ومن صفات الإداري الناجح كما تتجلى بوضوح في شخصية الأمير سلمان عدم ازدواجية الشخصية؛ فشخصيته واحدة في العمل وفي الحياة العامة، يزينها الأدب الجم والثقافة الواسعة والصمت في حكمة، وضبط النفس؛ حيث لا يغريه المدح، ولا يخدعه التزلف. ومن مظاهر البعد الإداري التي يكتشفها القارئ لتاريخ سموه تفويض الصلاحيات وصناعة فرق العمل التي لا تتشكل - عادة - إلا عبر تأثير شخصيات قيادية ذات صفات جذابة (كارزماوية)؛ فالمتتبع للجان والمهام والمجالس التي يرأسها سموه يدرك بجلاء تمركز هذه الصفة (تفويض الصلاحيات) في شخصية سموه الكريم؛ إذ من غير المعقول أن يضطلع سموه بكل هذه المهام وحده وهو رجل الدولة الذي يقوم بمهام كثيرة تتطلبها مكانته في الأسرة الحاكمة، وإمارته الطويلة في السابق لمنطقة كبيرة مثل الرياض. ومن صفات الإداري الناجح التي عرفناها في سموه كثرة التفكير والتروي قبل إصدار الأحكام، ويعود ذلك إلى حكمته التي اكتسبها بمرور السنين وإلى نشأته الأولى في مدرسة المؤسس - طيب الله ثراه -، وظهرت نتائج هذه الصفات في مقدرة سموه الخارقة على التطوير، وأسوق مثالاً واحداً فقط: فمدينة الرياض العاصمة خطت خطوات نحو التطور بشهادة الجميع بطريقة أذهلت المراقبين من حيث السرعة في مقياس تطور المدن الكبرى. وهناك من يقول إذا توافر المال فهو كفيل بصنع المعجزات. هذا الكلام غير صحيح؛ فالمال وحده لا يكفي في ظل غياب الإخلاص وحب المكان وقبل ذلك الإيمان بالله وحده والتخطيط السليم، وخير دليل على ذلك تدفق الأموال في أيدي بعض الدول المجاورة، وحينما تقارن بين أصغر محافظة في منطقة مثل الرياض وعواصم تلك الدول ستعرف الفرق بين الإداري المحنك وغيره. والتواصل مع الناس والمواطنين ميزة قلما تتوافر في كثير من الناس، فمن يجلس لمطالب الناس ويستمع إليهم على مدى تسعة وخمسين عاماً لا شك أنه يمتلك مقومات قيادية يكتشفها الزائر لمجلس الأمير سلمان الاثنيني الذي لم يتخلف عنه إلا لضرورة طارئة. ذلك المجلس الذي خرَّج الرجال والقيادات الصالحة لهذا البلد الذين تخرجوا من مدرسة الأمير سلمان، وميزة التواصل مع الجمهور أو المواطنين من أهم مميزات القائد الحقيقي. والأمير سلمان يحظى بمحبة وتقدير أطياف المجتمع السعودي والعربي كافة؛ لدماثة خلقه من ناحية ولمميزاته الشخصية من ناحية أخرى، ومن أهمها التواصل مع المواطنين والسؤال عنهم والاستماع لهم، وهو يجيد هذا النوع من التواصل الاجتماعي عبر تعامله الجيد مع الصحافة والصحفيين في بلده؛ فهو لا يستنكف من الرد على صحفي كبير أو صغير بمقاييس الصحافة، ولا يتواني في تصحيح معلومة خاطئة؛ لإيمانه بأن الصحافة مرآة المجتمع المتحضر، ولا يكابر حين يخطئ، وهو ممن لا يرون الرضا بالنفس؛ فهو يعرف أن هذه أكبر صفات الفشل التي حاربها على الدوام متسلقاً على كل مجده الذي يحق له أن يفخر به. ومن صفات الإداري التي تشكلت في شخصية سموه توقع الأزمات والمبادرة إلى وضع حلول عاجلة لها قبل وقوعها، ودائماً تبقى الرياض العاصمة والمنطقة مثالاً لشخصية سموه؛ فالرياض وضع فيها سموه جل رعايته وكل وقته، فالصورة كاملة في ذهنية سموه المتقد؛ لذلك تميز في التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى؛ فظهرت الرياض مبهرة في مواكبة كل جديد، ونجحت الرياض في استيعاب المشاريع العملاقة وفي استيعاب الكثافة السكانية المتزايدة. أما الجانب الذي يعجبني في شخصية الأمير سلمان - وهو الذي جعله يتبوأ مكانة عالمية مرموقة - فهو ترؤسه للجان الخيرية وتبرعه الشخصي للمنكوبين في مختلف مناطق وقارات العالم. تخيلوا أن سموه ترأس أكثر من 16 لجنة لمنكوبي العالم ممن تضرروا من الحروب والسيول والفيضانات والزلازل، لم يتأخر عن هذا الدور الإنساني وهو المثقل بأعباء العمل والمهام الجسام؛ ما رشحه لأكثر من 12 جائزة ووساماً من مختلف الدول الغربية والعربية. وباختصار، فإن الأمير سلمان بن عبدالعزيز شخصية فريدة من نوعها ومتميزة، شاء من شاء، وأبى من أبى، وإن لم يكن مثل سموه وزيراً للدفاع فمَنْ يكون إذن؟