ليس من السهل على أي باحث عربي بمفرده مهما بذل من جهد وتوافر له من وقت أن يرصد أوجه الثقافة في العالم العربي بشكل كامل وشامل أو يتحدث عن مستقبلها صعوداً وهبوطاً حتى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في عصره حين أصدر كتابه الشهير (مستقبل الثقافة في مصر) لم يكن على ثقة تامة بأن المسار الثقافي في مصر سيأخذ خطاً تصاعدياً مستقيماً على الرغم من الاتجاه إلى تحسين وتسهيل فرص التعليم ومجانيته وعلى الرغم من تقدم الصحافة وانتشار الطباعة ووسائل النشر والترجمة وكذلك تقدم وتنامي الاتصال الثقافي بين مصر والغرب وحتى لو وجدت هيئة عربية مختصة برصد وتقويم الثقافة في العالم العربي وتيسرت لها الإمكانات الكبيرة فإنها سوف تواجه مشاكل لا حصر لها في تقديم رؤية واضحة لمستقبل الثقافة في العالم العربي لأسباب تتعلق بالاتجاهات التعليمية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية. فالعالم العربي على سعته جغرافياً وتنوعه (ديموغرافيا) هو - شئنا أم أبينا - جزء من عالم متحرك متغير تتلاقح فيه مختلف الثقافات العالمية وتتمازج بسرعة شديدة وليس بوسع الأمة العربية أن تنعزل وتنغلق وتتقوقع على نفسها خوفاً على ثقافتها من التأثر والذوبان في الثقافة العالمية بل عليها أن تصمد وتتحدى على قدر المستطاع. إن بوسع الأمة العربية الحفاظ على ثقافتها الدينية من خلال الحفاظ على اللغة العربية لغة القرآن الكريم لأن الله عز وجل قد تعهد بحفظ القرآن حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، أما ما عدا ذلك من ثقافات عديدة ومختلفة فلابد لها أن تدخل في خضم الثقافات وتتفاعل معها تأثراً وتحاول أن تكون مكتسباتها أكثر من خسائرها في نهاية المطاف. إن الصراع بين الثقافات في ضوء تيار العولمة الجارف آت لا محالة ولكن الثقافة العربية قد تعرضت منذ مدة لاختراقات عديدة حين اتجه التعليم العام في البلاد العربية إلى التخصص حيث انحصرت ثقافة الشخص بالمهنة أو الوظيفة التي يمارسها ولم يعد له كبير اهتمام بالثقافة العامة إلا فيما ندر فالطبيب مثلاً لم تعد تعنيه إلا الثقافة الطبية أما ثقافته الأدبية والتاريخية أو التقليدية أو الفنية مثلاً فقد أصبحت من الفقر والضحالة على جانب كبير. من جهة أخرى فإن المثقف العربي الذي كان يأخذ بطرف من كل علم وفن أصبح نادراً وقد طغت الثقافة الغربية على الثقافة العربية بشكل ملحوظ حيث اتجه الجيل العربي الحاضر إلى الانبهار بكل جديد وبراق وهو في أغلب الأحيان خاوٍ أو أجوف لا يملك أي شيء من الثقافة العامة. من هنا.. أرى أن مستقبل الثقافة في العالم العربي بائس وغامض إذا لم أقل: إنه مظلم إذ لابد من اهتمام البلاد العربية بالثقافة وتكريس جهودها وإمكاناتها بشكل جدي ومدروس لتحصين الشباب العربي من خطر الانجراف السريع مع تيار الثقافات الوافدة وتسليمهم عقولهم للتيارات المعادية من أي جنس ولون سواء كانت محلية عربية تجنح للتطرف والغلو أو الانجراف وراء الانحلال، إذ يجب علينا أن نسعى بكل قوة إلى المحافظة على عقول شبابنا وأفئدتهم من العبث المحيط بهم من كل جانب، إن العصر عصر ثقافة وإعلام ومن هذا المنطلق فلابد من العودة إلى الجذور التي انطلقنا منها: الإسلام والعروبة.