إنها لساعة رهيبة ونحن نفاجأ بنعي الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد وحارس الوطن.. لقد مات نهر الخير.. سلطان القلوب، رحل إلى دار الله الباقية وقد احتوت الجميع صغارًا وكبارًا مشاعر الأسى والحزن. حقًا لقد كانت المصيبة أليمة، ففي العين دمعة... ...وفي القلب لوعة، وفي النفس لواعج من الأسى.. وبفقده يفقد الوطن شخصية وطنية حياتها مليئة بالعطاء والإنجازات، يفقد الوطن علمًا من أعلامه الخفاقة التي تنشر روابط المحبة والإخاء والإخلاص، ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير التسليم وقضاؤه الذي ليس له عدة سوى الصبر الجميل. في هذه اللحظات الحرجة يمسك اللسان أن يقول ويرسل الدمع ليتكلم.. في هذا الحدث الجلل والمصاب العظيم الذي عم الأمة العربية والإسلامية. ماذا عساي أن أقول وماذا عساي أن اكتب، وأنا أجد لزامًا عليّ أن أكتب عن هذه الشخصية الكبيرة، ليس ذلك من باب الوفاء والإنصاف لأهل العطاء فحسب، وإنما لنستلهم أيضًا من مسيرته السياسية والعملية والإدارية دروسًا نقتدي بها على مدى الدهر.. وأعتقد جازمًا أنه مهما سكب اليراع دموعه وكلماته فإنه لن يوفيه حقه؛ لأنّه عندما تكون الكتابة في قامة مثل هذه الشخصية تعز المفردات وتضيع الكلمات.. ..فقيدنا المحبوب.. بقدر ما يعجز الفكر فإن القلم أيضًا يعجز عن حصر إنجازاتك بوصفك مسئولاً بارزًا وليًا للعهد ووزيرًا للدفاع والطيران والمفتش العام، وأنت الأمين الحريص على متابعة العصر ومسايرة التطور، تعمل ليل نهار على فتح آفاق جديدة في النهضة التي حمل لواءها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- على أساس متين من الاحترام المشترك والمصالح المشتركة والتعاون الاقتصادي والعسكري بين المملكة وجميع دول العالم، وأنت تسعى دائمًا في معترك الأحداث لأمن واستقرار العالم ونصرة الحق في جميع صوره وقضاياه. فاستحقت خطواتك متابعة وعناية أهل الرأي والبيان. ..إنك سلطان العقول المحنك، الشخصية التي سرقت اهتمام زعماء وملوك العالم لما تتمتع به من حضور وإمكانات في الإدارة والقيادة، عندما تخاطب عقول الآخرين تخاطبهم بالمنطق والدقة، يحس كل من يستمع إليك أنك الملم الخبير والصديق الحميم، استطعت أن تحفر لك مكانة خاصة ومميزة جدًا، فأصبحت بعظيم مركزك ومنزلتك أخًا وصديقًا للجميع.. كنت كالفجر يتبلج نوره وتتنفس نسماته في قلوب الجميع. تشهد لك يا فقيد الوطن إنسانيتك التي حفلت بها حياتك بأياديك البيضاء التي امتدت إلى البائسين في جميع أنحاء العالم فأمسكت لهم رمقهم وصنت لهم كرامتهم، فكنت بجودك وكرمك ربيعًا لليتامى عصمة للأرامل.. آثرت وبلغت بالفضل منازل العظماء.. لن أحيط بآفاق سموك الخيّرة المترامية الأطراف التي تحمل نوازع إنسانية كثيرة جديرة بالإكبار والإعجاب، فأينما نول وجوهنا في هذا الوطن العزيز إلا ونجد بصمة من بصماتك الخيّرة التي تدل على وفاء سلطان للإنسانية جمعاء، فلقد بذلت لأمتك ووطنك أغلى ما تملك، فإذا برح بالأمة الحزن فذلك لأنك ذلك الإِنسان الذي تجلت في خلائقه مزايا الإِنسان الرفيع فاتفق على نبله الصديق والعدو وتمثلت في أفعاله أجل الصفات فاعرف بفضله كل دول العالم. وبعد.. وداعًا أبا خالد..نم قرير العين، فلئن غيّب الموت اسمك فإن أعمالك وإنجازاتك وما خلفته من الذكر الجميل سيخلد اسمك على مر السنين والأعوام ويحمل عبير روحك الطيبة التي سوف نحتفظ بذكراها إلى أبد الآبدين.. تعازينا الحارة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وإلى سمو النائب الثاني وإلى الأسرة الكريمة وإلى أبنائه كافة أفراد القوات المسلحة.. متضرعين إلى الله سبحانه أن يتولاه برحمته الواسعة برياض الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه سميع الدعاء. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}. هيئة الرقابة والتحقيق - الرياض