خيّم الحزن في كلِّ أرجاء الوطن الحبيب، وسالت دموع شعبه على الخدود، حين نعى الناعي لهم وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله رحمة واسعة -، فقد عرفوه محباً للإنسانية فعّالاً للخير، بسط كفّيه للضعفاء والمحتاجين، وماسحاً لدمعة المكلومين. لقد سالت على خدودهم دمعات على فراق أيادٍ بيضاء امتدت لهم بلمسة حبٍ وعطف وحنان، وكانت خير معين لهم - بعد الله - على نوائب الدهر وقسوة الأيام، أيادٍ ضمّدت جراحاتهم بعد جور الأيام وخور السنين، إنها دمعات سكبها أبناء وطني حزناً على رجل أطلقوا عليه ألقاباً عدّة تعبيراً عن فيض كرمه وخلق ذاته وطيب نفسه « فكان سلطان القلوب وسلطان الخير»، وكانت فاجعتهم أنّ الموت اختار من بين الخيّرين «سلطان» لتبقي ذكراه خالدة في نفوس كثيرة نالت من خيره الكثير عبر مؤسساته الخيرية سواء داخل الوطن أو خارجه. إنّ الكلمات تعجز أن تصوّر حجم وأسى فاجعة وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز - سائلين الله أن يتغمّده برحمته - على ما قدّم لدينه ووطنه والعالم أجمع، وإنْ حان موعد الرحيل وانتقال الروح الطاهرة إلى بارئها، فإنّ أعماله الجليلة تظلُّ خالدة في النفوس ومجاهداته في بناء الوطن عبر مسيرة طويلة من العمل المتواصل، تولّى خلالها الكثير من المهام الجسام دون أن يكل أو يمل، حيث كان سنداً وعضداً لإخوته الملوك والأمراء أرسى معهم معالم الدولة، فنال شرف المشاركة الفاعلة في بناء نهضتها الحديثة. كان «سلطان» محباً للخير ساعياً له أين وجد، كيف لا وهو مؤسس مدرسة الإنسانية، امتد فيض عطائه فشمل الداني والقاصي في كل الأزمات والمحن، وكان - رحمه الله - خير معين بعد الله للمحتاجين وساعدهم الأيمن في قضاء حوائجهم، نسأله تعالي أن يجعل ذلك في موازين حسناته، وأن ينزل عليه شآبيب رحمته بقدر ما قدّم لأمته وأبناء وطنه. وإنْ كانت إنسانيته وفيض كرمه قد دخل كل دار وشمل الصغار والكبار، فلا عجب أن نرى تلك الدمعات وآهات الحزن التي ارتسمت على قلوب الكثيرين، ورغم شواغله إلاّ أنه ظلّ مهتماً بأمور وطنه مخططاً وساعياً لنهضته، وكان - عليه رحمة الله - صاحب بصيرة وعقل راجح، حيث استطاع بما حباه الله له من حنكة وبراعة في السياسة، أن يحقق لوطنه الكثير من الإنجازات، حيث تقف اليوم الكثير من المشاريع التنموية شاهداً على نظرته المستقبلية، فهو صاحب فكرة الخزن الاستراتيجي، وهو قائد وباني نهضة قوات الوطن المسلحة التي لم يأل جهداً في تقديم الدعم لها، وقد مكّنته خبرته بعد - عون الله - وفي فترة وجيزة، أن يحقق لقواتنا المسلحة ورجالها الكثير، خططاً وتدريباً ودعماً لوجستياً عدة وعتاداً، حتى أصبحت قواتنا المسلحة - بفضل من الله - من الجيوش التي يشار إليها بالبنان، حيث أثبتت الأيام قدرتها على مواجهة الصعاب وهو فضل يرجع بعد الله إلى الراحل المقيم «سلطان الخير» الذي تولّى زمام أمرها سنوات طوال كانت حافلة بالبذل والعطاء، ولكن لا رادّ لقضاء الله. بدموع تفيض حزناً نودع «سلطان»، وبصادق الدعاء نتضرّع إلى الله تعالي أن يتقبّله بقبول حسن، وأن يسكنهُ فسيح جناته مع الصديقين والشهداء، وأن يلهم أخاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو النائب الثاني وسمو أمير منطقة الرياض الصبر الجميل في هذا الفقد الجلل، إنّ القلب يدمع والعين تحزن ولا نقول إلاّ ما يرضي الله، لا حول ولا قوة إلاّ بالله، و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .