انطلاقاً من لقاء معالي وزير الشؤون الإسلامية بأئمة وخطباء جوامع الرياض، ألقى معالي الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للافتاء ومعالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ كلمات في بيان منهج السلف الصالح فيما يجب على المسلم في ظل الأحداث الراهنة. وكان لقاءً نافعاً ومفيداً ودالاً على الوعي الكبير بين الوزارة وأئمة المساجد وخطباء الجوامع وتذكيراً بالأسس التي قامت عليها أركان الدولة حيث انطلقت في بناء قاعدة الحكم على نور الوحيين الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح لهما، وتحقق في ظل هذه المعالم صفاء العقيدة وصحة العبادة وتماسك الرعية وتلاحمهم مع قادتهم وعلمائهم مما جعلهم في غنية عن استيراد الحلول لما يقع من حوادث وفتن في زمنهم. فهذه البلاد أعزها الله بالإسلام وأكرمها بتطبيق أحكام الشرع المطهر فهي تستمد قوتها وبقاءها من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم فليست بحاجة بعد ذلك أن تبحث عن مخرج ينير لها السبيل وقد أغناها الله بسلامة المنهج وحسن الاتباع وتآلف القلوب واجتماع الكلمة وتوحيد الصف وتلك نعمة منّ الله بها علينا وأكرمنا بها وما ساد الأمن والاستقرار وما اطمأن الناس وأمنوا على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم إلا بقيام الشرع وإظهار أحكامه وآدابه وأخلاقه وتحقيق مقاصده وغاياته بين العباد. وما تحقق كل ذلك إلا بتمسك القادة والعلماء والرعية بهذه الأصول الثابتة التي أدركوا أن فيها عز البلاد ورفعة العباد مهما تكالبت الفتن وتوالت الأحداث. وهذه نعم حسد الأعداء هذه البلاد وأهلها على ما هي عليه من خير ونعمة. ويسوؤهم ويؤلمهم أن يستمر الحال عندنا على هذا المنهج السليم. ولا ريب أن الغرض من وراء ذلك هو زعزعة استقراره والنيل من مكاسبه ومعطياته، والتأثير على التزامه بدينه وتمسكه بعقيدته، والتقليل من جهوده الإصلاحية والدعوية مع كل المسلمين، والحد من الأعمال الخيرية والمشاريع الدعوية التي تقدمها بلاد الحرمين الشريفين في كل الأقطار. لما كان لهذه البلاد قصب السبق في هذا الميدان كادوا لها وسعوا إلى افساد عقول شبابها لتذوب الأخلاق في قلوبهم ويضعف الولاء لدينهم ووطنهم وهذا يستدعي من كل عالم ومربٍّ وداعية ومعلم ومرشد وواعظ أن يصب جهده ويستفرع وسعه في إصلاح الشباب ودعوتهم إلى الالتزام بما كان عليه السلف من منهج. فعلينا أن نتذكر أن لدينا ثروة عظيمة لا تدانيها ثروة وهي صحة الاعتقاد وسلامة المنهج والاتباع وهذه المعالم لم تغب شمسها عن هذا البلاد منذ تعاهد الامامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب على نصرة السنة ودعوة الناس لمنهج السلف وتعاقبت الأيام وتوالت السنون وهي تزداد تماسكاً وثباتاً عليه إلى هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين. فكيف ننسى هذه الأسس والركائز العظيمة في غمرة فتن عارمة؟ لقد سبق هذه الفتن الحاضرة فتن مثلها وأشد ولم تثن من عزائم القادة ولا العلماء ولا الرعية شيئاً لأنهم في وقت الفتن لا يصدرون عن هوى أو تأثر برأي أو فكر وإنما عن منهج ينطلق من فهم نصوص الشريعة ومراعاة المصالح ودرء المفاسد. وهكذا قادتنا اليوم وعلماؤنا هم أعرف الناس بما يجري على الساحة وهم أدرى من غيرهم في معالجة القضايا والأمور والواجب على طلاب العلم والشباب المتوقد غيرة على الدين أن تكون تصرفاتهم منطلقة من مبادىء الإسلام ومبنية على مراعاة المصالح ودرء المفاسد حسب رؤية الشرع المطهر فلا يصدرون في ذلك إلا عن رأي أكابر العلماء لا عن هوى وعاطفة وحماس أو تأثير خارجي مما تبثه وسائل الإعلام. وإذا وقعت النوازل ونزلت الفتن بساحة المسلمين فلدينا من نصوص الشرع ما يكفينا لمعرفة التعامل معها وكيفية الوقوف منها فننزل هذه القضايا والأحوال وفق ضوابط الشرع وقواعد الدين ومقاصده وحينئذ تعصم الأمة بإذن الله من الإختلاف والتفرق. أما إذا كان الموقف منها يُستقى من مصادر أخرى فسوف يكون الاختلاف والتفرق وإعجاب كل ذي رأي برأيه ثم ينشأ عن هذه الفتنة النازلة فتن أخرى ربما تكون أعظم من الأولى. والله تعالى يقول: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً). فكان من الواجب على العلماء والدعاة والمربين بث الوعي الصحيح في صفوف الشباب وتعميق الصلة بما كان عليه السلف الصالح في زمن الفتن وأن يربوهم على الولاء الحقيقي لهذا الدين ولوطنهم وولاة أمرهم الذين يسهرون على مصالح الأمة ويذبون عن دينها ويدافعون عن عزها وأمنها واستقرارها، وأما حين يقع الإهمال والتفريط في هذا الجانب من بعض الشباب فإنهم يسقطون صرعى للتضليل والافتراء من جانب شياطين الإنس يدخلون عليهم من باب الغيرة على الدين ومن باب القيام بالواجب ونحو ذلك من الحيل التي يصلون بها إلى التضليل. وما يقع من أحداث على الساحة اليوم يستوجب علينا ضرورة بيان المنهج الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه الناس واقناعهم به لبناء جيل صالح يذب عن السنة ويدافع عن منهج السلف ويرفض كل ما يخالف ذلك. والشباب على وجه الخصوص هم أحوج إلى بذل الجهد في بيان الخطر المحدق بهم والمؤامرات التي تحاك ضدهم لئلا يتأثروا بدعوات المغرضين أو ينقادوا إلى مسالك المضلين، وليعشوا حياة آمنة مستقرة بعيدة عن الغلو والجفاء والإفراط والتفريط قائمة على منهج الوسطية والاعتدال كما كان عليه الأئمة الإعلام من سلف الأمة في ماضيها وحاضرها. د. عبدالله بن عبدالرحمن الشثري إمام جامع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بالمعذر