الغيبة من القبائح الاجتماعية التي لا يليق بالمسلم أن يرتكبها، وهي محرمة بالإجماع ومن كبائر الذنوب، وقد حرمها الإسلام ونهى عنها لما فيها من تقطيع أواصر الإخوة وإفساد المودة وبذر العداوة بين المسلمين، ولا سيما إذا كانت في حق رجل يقتدي به الناس ويؤتم خلفه، ومن مقتضى البيعة في منهج أهل السنة والجماعة النصح لولي الأمر والدعاء له بالتوفيق والهداية حيث جاءت النصوص الشرعية مفيدة ان فشو المحبة المتبادلة بين الراعي والرعية وظهور الدعاء لولاة الأمور من علامات خيرية الأئمة، فمن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خياركم أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم..» الحديث، وللتنفير من الغيبة شبه القرآن الكريم المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتاً فقال تعالى: {وّلا يّغًتّب بَّعًضٍكٍم بّعًضْا أّيٍحٌبٍَ أّحّدٍكٍمً أّن يّأًكٍلّ لّحًمّ أّخٌيهٌ مّيًتْا فّكّرٌهًتٍمٍوهٍ}، فالذي يذم أخاه في غيبته كمن يعضه ويأكل لحمه وهو ميت لا يحس بألم العض والأكل، والغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان وقد عرَّفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» أخرجه مسلم. وبهذا يتبين لنا ان الغيبة هي: ان يذكر الإنسان عن أخيه الغائب صفة أو خصلة موجودة فيه، ولو كان حاضراً لكره هذا القول، فإذا لم توجد فيه هذه الصفة أو الخصلة فإن هذا يسمى بهتانا أي كذباً وافتراء وهو أعظم من الغيبة، والغيبة لا تقتصر على الكلام باللسان وإنما كل حركة أو إشارة أو إيماءة أو تمثيل أو تعريض أو همزة أو لمزة أو غمزة أو كتابة أو أي شيء يفهم منه تنقيص الطرف الآخر فكل ذلك حرام داخل في معنى الغيبة والتي يتساهل بها الكثير ويعتبرها من صغائر الأمور وهي في الحقيقة نواة الخروج على ولاة الأمر الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معا، لأن الغيبة في أعراض الأمراء والاشتغال بسبهم وذكر معايبهم خطيئة كبيرة وجريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر وذم فاعلها ومثال ذلك عندما بدأ اليهودي عبدالله بن سبأ الذي قد أسلم أيام عثمان رضي الله عنه ليستطيع التأثير غيبة ونميمة في نفوس أولئك الأعراب الذين دانوا حديثا بالإسلام من سكان الأمصار ولم يمتثل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» وقوله صلى الله عليه وسلم حينما سئل أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده» وقد ورد النهي عن سب الأمراء على الخصوص لما في سبهم إذكاء نار الفتنة وفتح أبواب الشرور على الأمة، إذ تنقل هذا اليهودي في بلدان المسلمين فبدأ بالحجاز ثم سار إلى البصرة ومنها إلى الكوفة حيث بدأ الحديث غيبة في شخص الوالي سعيد بن العاص ولم يمتثل لما ورد عن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكر تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال أبو هلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبوبكر: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» ثم إن هذا المارق سار إلى الشام وبعدها إلى مصر حيث استقر هناك ولأنه وجد من أهلها اصغاء لما يقول على سبيل التعجب والرضى مما زاد من نشاطه وشجعه على المضي قدماً في اضرام نار الفتنة والوقيعة وهذا خطأ منهم أهل مصر لما ورد في حديث الأسلمي وفيه «فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من الأنصار يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يدع نفسه حتى رُجِمَ رَجْم الكلب»، فالقائل شخص واحد والآخر سامع ولم يكن قائلاً، ثم ماذا كانت النتيجة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائل والسامع: «كُلا من جيفة هذا الحمار» ثم قال عليه الصلاة والسلام لهما: «ما نلتما من عرض هذا الرجل آنفا، أشد من أكل هذه الجيفة» فكان السامع في الحكم كالقائل. واستمر هذا المنافق بمراسلة من أثر عليهم في الأمصار وكان في كل مكان يحل فيه يتصل بالأشخاص ويتحدث إليهم ويبدي تفهمه للإسلام ويظهر معرفته ويقف موقف العالم الورع ويظهر حبه وتقديره لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى لا يعرف مخططه الإرهابي ثم انتقل بعد بذر الفتنة والقاء جذور البلاء وانتشار اتباعه ومريديه في المجتمع بالطعن في شخص الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبولاته وأمرائه وانهم دون الصحابة الأجلاء وانهم لم يحتلوا هذه المراكز إلا لكونهم من ذوي رحم الخليفة الذي بلغ من العمر عتيا وانهم قد أثروا عليه وأصبح أداة طيعة في أيديهم، من هنا يتضح ان الغيبة هي الفتيل الوحيد الذي استطاع ذاك اليهودي ان يشعل أول فتنة في الإسلام من خلال ما تسبب به من تعتيم الشك وتعميقه بين المسلمين ونزع الثقة بخيارهم، بالإضافة إلى اشتغال المسلمين بغيبة بعضهم بعضا وانتشار الأحقاد بينهم وانشغالهم عن العمل بالأولويات التي تفرج كروبهم وكروب الأمة. وصاحب الغيبة جبان ضعيف الشخصية، لأنه لا يستطيع المواجهة ولا يقوى على المصارحة ولو كانت دعوة صدق وعدل لتم ذلك بالتحدث أمام الشخص ونصحه بالحكمة والموعظة الحسنة واختيار الأساليب النافعة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وإلا يفعل ذلك فإنها ستتحقق كثير من الفتن في المجتمع الإسلامي، حيث إن ابن سبأ بعدما ألب القلوب ظلما وعدوانا استطاع ان يوجه جام غضب أتباعه على المدينة عاصمة الإسلام لأن في اعتقاده ان العاصمة أحرى بالتدمير والفوضى ان تؤثر فيها وبدأ يحرض الأمصار على التوجه إلى المدينة وإظهار الشكوى والتأفف من العمال والأوضاع العامة حتى استطاع ان يرسل أتباعه مع قوافل الحجاج لمغافلة الصحابة في المدينة وإمكانية نشر الفساد على نطاق أوسع ولم يكن أحد يتصور ان تقدر هذه الشرذمة ان تفكر مجرد تفكير بقتل الخليفة وهذا ما حصل، والله المستعان، لهذا ونحن نعيش في هذه الأيام العصيبة مشكلة الإرهاب وبزوغ شرذمة من الفساق تغتاب الولاة والحكام يجب علينا ان نتنزه عن مجالستهم أو الاستماع لهم ونرد عن أعراض امرائنا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رد عن عرض أخيه، كان له حجاباً من النار»، وقال: «من ذب عن عرض أخيه بالغيبة، كان حقا على الله ان يعتقه من النار»، وقال: «من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة» وقال: «إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة». أخي الكريم نزِّه سمعك ومجلسك عن سماع الغيبة والنميمة، لتكون سليم القلب مع إخوانك المسلمين، فعن ابن سعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلِّغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم القلب». يقول شيخنا العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله في رسالته حقوق الراعي والرعية: «فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وان لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس كما ان ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها، فإذا حاول أحد ان يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر، ضاع الشرع والأمن لأن الناس ان تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وان تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد، فالواجب ان ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وان يضبط الإنسان نفسه وان يعرف العواقب، وليعلم ان من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة «فاشتغل اخي بالتجارة الرابحة، واحذر التجارة الخاسرة الكاسدة، والله أسأل ان يوفقنا وإياكم لحفظ ألسنتنا». «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم». E-mail. [email protected]