يخطئ أولئك الذين يعتقدون أنه لم يتم التوصل بعد إلى تعريف مفهوم الإرهاب. فعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية قد أعلنت حربها على الإرهاب، بل وباشرت هذه الحرب في غياب حد أدنى من الحوار السياسي لتحديد مفهوم دولي محدد للإرهاب إلاَّ أن الإرهاب جرى تعريف مفهومه تعريفاً أمريكيا خالصاً من المساء الأول لأحداث 11 سبتمبر 2001. وهذا التعريف حرفي وليس إجرائياً وحسب هو: الخط السياسي الذي لا يتطابق مع النهج الأمريكي في التفاصيل الصغيرة والكبيرة معاً سواء في فهم الهجمة التي تعرضت لها رموزها العسكرية والاقتصادية «البنتاجون ومبنى التجارة العالمي» أو في ردة الفعل السياسية والعسكرية عليها. وبهذا فإن كل ما تفعله امريكا سواء على صعيد خطابها السياسي أو الإعلامي هو عولمة المفهوم الأمريكي للإرهاب، بحيث يصبح الإرهاب هو ما تراه أمريكا إرهاباً أو مجرد ما قد يخيل لها بأنه اختلاف في الرأي معها. وإذ بدا أن الإدارة الأمريكية لم تر بداً على المستوى الخارجي من محاولة تحييد العالم العربي والإسلامي أو على الأقل عدم إثارته وجهاً لوجه لتمرير مفهومها الخاص بالإرهاب وذلك بالتأكيد على أن حربها ليست حرباً ضد الإسلام أو ضد العالمين العربي والإسلامي حتى وان كانت شعوبها أو بعضها على الأقل هي أول من سيكتوي بنيران هذه الحرب، فقد بدا بشكل واضح رغم الغموض الذي يعتري الموقف ككل ان أحد محددات تعريف الإرهاب الأساسية كان الاحتفاظ لأمريكا بموقع السيطرة والهيمنة في العلاقات الدولية بما فيها توزيع الإرهاب أو صكوك البراءة منه إلى حين تنتهي حربها الأولية عليه التي بدأت أولى بروفاتها في افغانستان. ويبدو أن توجه الإدارة الأمريكية لإبلاغ الأممالمتحدة باحتمال قيامها بضرب منظمات أخرى وبلدان أخرى لم يكن الإجراء الوحيد الذي اتخذته أمريكا لإبقاء «خياراتها مفتوحة» في حربها على الإرهاب حسب التعريف الأمريكي له. وفي إطار تلك الإجراءات للعمل على إبقاء خيارات الإدارة الأمريكية مفتوحة في هذه الحرب حسب تحركات التحالفات وذبذبات كفة ميزان المصالح وظهور ضرورات بعداوات أو صداقات جديدة وحسبما تمليه تطورات الموقف السياسي والعسكري وما قد تقتضيه البرجماتية في حرب قدرت بأن تستمر ما يزيد على عشر سنوات، يمكن للمراقب ان يقرأ عددا من المؤشرات القريبة والتي قد تكون ذات تأثيرات معقدة بعيدة. مع ملاحظة ان بعض هذه المؤشرات تستخدم بأهميتها المتفاوتة في الموقف الراهن كمؤثرات صوتية للاحتفاظ بدرامية المشهد على المسرح العالمي مع محاولة ألا يفلت أي من خيوط الإخراج وتوزيع الأدوار من يد القيادة الأمريكية ومن هذه المؤشرات التلويح بمداواة المديونيات بين دول الشمال ودول الجنوب، التلويح بالدولة الفلسطينية وكذلك التلويح بحل الوضع الكشميري الاشكالي في العلاقة بين الهند والباكستان، التحركات المرتبكة والمربكة للأطراف المعنية المختلفة في التوجه المتخبط نحو تشكيل حكومة بديلة في أفغانستان ومنها الموقف الأمريكي المتقلب تجاه تحالف الشمال الأفغاني رغم الكلام الصريح بالحاجة الحالية إليه ليخوض الحرب البرية نيابة عن القوات الأمريكية التي تخشى أمريكا أشد ما تخشى احتمال تحولها إلى فيتنام القرن الواحد والعشرين، هذا بالإضافة إلى سياستها في تسريب تصريحات ثم سحبها ثم طرحها من جديد بقوائم المرشحين للضربة الأمريكية التالية. وأخيراً وليس آخراً هناك الحملة الإعلامية التي لا تزال مستمرة على دول عربية إسلامية طالما تمتعت باستقرار علاقتها بأمريكا، كالعلاقة التوافقية بين السعودية وأمريكا تاريخياً والعلاقة الحبية بين أمريكا ومصر والتي تكونت مؤخراً وإن كان قد مضى على ذلك ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن. ولعله يجدر بنا أن نقف بالنقطة الأخيرة قليلاً. مع ان كلاً من هاتين الدولتين (السعودية ومصر) قد سارعتا إلى إدانة الأحداث الأخيرة بأمريكا من خلال مؤسساتهما الرسمية السياسية والدينية، وأبدتا تعاطفاً جياشاً مع أمريكا إدارة وشعباً ومع أن كلتيهما قد اعتبرت أن الضربة التي وجهت إلى أمريكا امتداد لإرهاب طالما عانت منه كل منهما، وعلى الرغم أيضاً من ان أياً منهما لم تعارض إعلان الحرب الأمريكي إلا أنه يجري تهديدهما من خلال الحملات الإعلامية المبطنة والمعلنة بمؤازرة الإرهاب لمجرد الاختلاف على بعض التفاصيل أو لأن لكل دولة منهما حساباتها التي لا تسمح لمواقفها بالتطابق مع الموقف الأمريكي الرسمي في إدارة الجيش واللافت للنظر عن عدم فهم الموقف السياسي لكل منهما سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى العربي والإسلامي أنها (أي الحملة) لا تتورع عن تقديم تعريضها بهما عن طريق تملق الشعوب. فبينما تشن هذه الحملات تحت شعارات الدفاع عن الحريات في تلك الدول تأخذ عليها غياب الديمقراطية، وتلك تبدو ككلمة حق لا يراد بها حق إذا لم يرد بها باطل، إذ إن أخطر ما في إعلان الحرب على الإرهاب وخصوصاً بتعريفه الأمريكي الرائج الآن وخصوصاً أيضاً على المستوى الداخلي لدول العالم الثالث هو التحريض بتصفية الحسابات السياسية واختلافات الرأي بشكل سري أو علني باسم محاربة الإرهاب أو التخلص من تهمته. وهذا كاف بحد ذاته لأن يأتي بنتائج عكسية لشعار الدفاع عن الحريات في هذه المجتمعات. واللافت للنظر ان معظم اشكال ردة الفعل الإسلامية على مثل هذه الحملات لم تكن إلاّ ردات فعل دفاعية يغلب عليها الطابع الإنشائي إلاّ أن المطلوب حتى لا تنجح هذه الحملات في خلق حالة من الخوف العام وتهمة الإرهاب أو رعايته هو مزيد من تأصيل المواقف الاستقلالية وان كانت نسبية عن السير الراكض في الركب الأمريكي لإدارة الحدث.