** في لحظة الموت تقف الأكف الداعية والعيون الداميةُ أمام حقيقة الحياة «ويا للمفارقة»؛ فالركضُ ومض، والاسترخاءُ غمض.. والدنيا غيض، ووحدها الآخرة خلود وفيض، وفي لحظة الموت لا تختلف الزفرات؛ أناح بها خليّ أم شجي، شيخٌ أم فتيّ، وقد حزنّا فما أجدى، وسلونا فما أغنى، وفقدنا فبتنا بين الذكر والفكر، وبين الخاطرة والذاكرة. ** لسنا وحدنا؛ فالمكانُ يفتقد، والزمان يتحد، وضحى الخميس وأصيل الجمعة سيحكيان عن هدوئه ورزانته وحكمته وتحكمه، وتداخله حين يرى، وصمته إذا توارى، ونقرأ - في عينيه - ابتسامته الرضية وصوته الهادئ وإيماءةَ «مسبحته» وتعليقاته الذكية؛ فالمجلس له، والحديث لغيره، ولو رُدّ الأمرُ لأصله لكنا من يُصيخُ بحضوره فيقرأ ما لم تروه الصحف والكتب. ** تربطنا به علاقة إرثٍ تأريخي من لدن جدته «موضي العبدالله البسام» - وهي امرأة الموقف والتوقف و»إذا جاك ولد سمه موضي» - وجدي «علي التركي العمرو» الذي رأته أحد أبنائها؛ فظل وفيًّا لها، حفيًّا بها، وخافت عليه فشاءت نأبه وازداد قربًا، و»لم يذهب العُرفُ»؛ فقد وفى ابنها «إبراهيم» له، وكنتُ أراه في مجلس جدي واصلًا متواصلًا، وظلت الصداقة بين السميين «عبدي الرحمن؛ والده - رعاه الله - وأبي عبدالله - عليه وعلى الراحلين رحمة الله». ** كان الشيخ العم عبدالرحمن الإبراهيم البسام ذا درايةٍ بالتأريخ، وبخاصة ما يتصل بعنيزة وأسرته، وزرتُه في المستشفى الجامعي بالرياض، ولم يكن سوانا وأحدُ أبنائه فعرفتُ عن أسرتي وجدي ما لم أكن على درايةٍ به، وراجعتُ والدي فوثق ما عددتُه إضافة ذات بال. ** كذا هو في هرمه ومرضه فكيف به في شبابه وصحته، وكم يأسف صاحبكم إذ لم يجثُ على ركبتيه أمامه وأمثالِه حين كان صغيرًا؛ فما استدركه اليوم معلوماتٌ تعبر وتندثر، ونحاول أن نحييَ في أولادنا ما مات منا فلا يعرفون إلا ما جادت به منتجات «ستيف جوبز» الذي رحل قبل أبي عبدالله بيوم. ** كنت أمني النفس بلقاءٍ قريب معه، وجلس يوم العيد ساعةً فلم نعلم «والدي وأنا» عنها، وتطلعتُ لجلسته ثاني العيد؛ فذهبت لبيته وقرأتُ على بابه ما صاغه التوقع؛ ألا لقاء إلا عند رب القضاء؛ فاللهم أنر قبره، واحشره في الملأ الأعلى مع من أنعمت عليهم، وارحم موتانا، واشفِ مرضانا، واختم لنا بما يرضيك عنا حين لا ينفع مالٌ ولا بنون. ** العمرُ نهاية تبتدئ بالمقلوب.