أذكر بداية أن هذه الدراسات تتناول تجارب شعرية مميزة لم تأخذ نصيبها من الضوء، وذلك لأسباب بينها ضعف مشاريع التدوين التي تسببت في ضياع ملامح كثير من إبداعها، كما تبتعد عن تناول تجارب معاصرة لا زال المجال أمامها واسعا لتقديم تجربتها، وهي كذلك مفتوحة تحت "راية الإبداع" وحدها لتستوعب جميع التجارب الشعرية، من مختلف المناطق، والمشارب الثقافية. وأشير إلى أنه يقف خلف هذا العمل فريق لا يمكن تجاوز جهدهم، وقد يقتصر طرحي أحيانا على دور المترجم لهذا العمل الذي نطمح إلى أن يكون محركا وحافزا لحركة بحثية واسعة، تتضافر فيها الجهود لإنقاذ ما تبقى من ملامح ارثنا الجميل قبل أن يطويه النسيان. وشاعرنا اليوم هوعايض بن زيد بن مشخص المندهه – رحمه الله – شيخ قبيلة بني عزيز من مطير، توفي سنة 1408ه، يقول الباحث الدكتور محمد بن راضي الحسيني واصفا خصال شاعرنا، وجمال تجربته أنك ترى فيه الرجل الرزين ذا النظرة الثاقبة والفراسة التي لا تكاد تخطئ، ضخم في هيئته مميز في حضوره، مترفع عن سفاسف الأمور، وإلى جانب هذا كله كان متواضعا لين الجانب، له شعر جميل رائق يعكس رزانته ونظرته الثاقبة، إلا إنه لم يكن من المكثرين من الشعر، لأن الشعر كان يمثل جانبا بسيطا من اهتماماته، وعلى قلة هذا الشعر فقد تناول الضياع جله، ومع ذلك فالنزر اليسير الذي وصلنا جدير بالوقوف عنده، لأن له سمة بارزة قلّ ما تجدها عند غيره. ومن قصص المندهة-يرحمه الله-أنه سبق وأن تقدم خاطبا امرأة من قبيلته لم يستعجل والدها الغني بزواجها حتى صارت مطمح لعلية أبناء القبيلة، ومنهم الشيخ عائض نفسه والذي لم تكن من نصيبه، بل فاز بها رجل من خارج القبيلة، فرأى المندهة في ذلك كسرا لكبريائه خاصة وهو صاحب الصفات الجميلة الجليلة خلقا وخُلقا، فقال مخاطبا ابن عمه سفر بن مصلح المندهة: واحسوفي يا سفر طرْقتي راحت نكال فشَّلتْني يا سفر بين قال وبين قيل كان في راسك نواميس شوم ولا تسال ازبن اللي في المواقف يفكّون الدخيل ما درى أنّا نصرف الألف في العشر الليال ما ضِرِي جدّي وابويه على لمّ الحصيل وعندما ترك البادية واستوطن الهجر وبنى له بيتا في سفح جبل مطل ، قال مخاطبا ولده الصغير حمود: بنيت لك يا حمود قصر(ن) مهايف زين المباني في علوّ الشواهيق أبيك تنزل فيه ما انته بخايف منزلك فيه يبدد الهم والضيق وإن جات ركب (ن) موميات السفايف حفيا السمار ولاحق اهله ملاحيق قلط لهم كوما شحمها ردايف والرزق عند الله ولي المخاليق خل الضعوف أهل القلوب الغفايف اهل التلقف والعلوم التلافيق من العرب ما خلّوا ألا النصايف يصبّحون الناس مع فكّة الريق جيش(ن) لهم قبّ(ن) سواة السنايف هجن(ن) لهم من ضامرات السماحيق وعز الله إنّا للجماعه ولايف كم ليلة(ن) عنهم نسد الأراويق وله عندما عاد متشوقا من سفر إلى إحدى زوجاته قوله: يا حمود الفرت سوقه لا تصونه ولّع الشمعات واذهن لا يباتي وان وصلتوا نزل حذرا توقفونه دون دار قليّله ما أبي مباتي وللشاعر عايض المندهة مشاركات كذلك في شعر "القلطة"، إذ نجده عندما أقيم حفل زواج محدود عند جيران له ولم يدعوه للحفل، لأن الناس كانوا يتحرجون من مدّ الدعوة خارج قبيلتهم لرفع التكليف، وقد عزّ ذلك على الشيخ الكريم، فذهب إليهم مع بعض رفاقه ثقة في مكانته لدى أصحاب الزواج الذين رحبوا به، ثم أقاموا الملعبة فبادرهم بقوله معاتبا: وراك تسجّني والنقص عنّي في حلال الذيب لك الله لو حضر داعيك يا واجبك لامشي به فرد عليه الحسن بن دويبي الشريف خال المتزوج: هلا يا مرحبا ولجارنا ما نقبل التتعيب بعد حضرت لحاكم مرحبا والرفد ما لي به فرد الشيخ عائض: ألا يا نعم يا أولاد الحسيني كاملين الطيب وحنّا أولاد وايل والفهد يشبع مخاليبه ولا يتّسع المجال هنا عن الحديث عن الشيخ زيد بن مشخص والد شاعرنا وابنه محمد بن عائض الشيخ الحالي لبني عزيز إذ كلاهما شاعران لا تكاد تختلف ديباجة شعرهما عن ديباجة الشيخ عائض، ولنا لقاء بعون الله في الحلقة القادمة مع والد الشاعر المعروف مبارك بن ناجي والذي تشير الروايات إلى أنه شاعر مميز وقد ضاع جل شعره ولم يتبق منه إلا النذر اليسير. [email protected]