لم تكن قصيدة العرضة النجدية للشاعر الكبير عبدالرحمن بن صفيان - رحمه الله - حالة استثنائية، أو قصيدة طارئة على المشهد الشعري. فهذه العرضة التي قالها ابن صفيان، وظلت تردد في مختلف المناسبات الوطنية، جاءت كدلالة صريحة على ارتباط الشعر بالوطن، والشعراء بانتمائهم للوطن وولائهم لقادته المظفرين. فكبيرنا وصغيرنا من الجنسين، أصبح لا يفتأ يردد أبيات العرضة مترنما بها ومعبراً من خلالها عن حبه لهذا الوطن الغالي المعطاء في مختلف المناسبات الوطنية: نحمد الله جت على ما تمنى من ولي العرش جزل الوهايب خبّر اللي طامعٍ في وطنا دونها نثني إلى جت طلايب واجد اللي قبلكم قد تمنى حربنا إلى راح عايف وتايب يا هبيل الراي وين أنت وانا تحسب ان الحرب نهب القرايب لي مشى البيرق فزيزومه انا حنا هل العادات وأهل الحرايب كان ما نجهل على اللي جهلنا ما سكنّا الدار يوم الجلايب ديرة الإسلام حامينه انا قاصرين دونها كل شارب فالشعر من أبلغ وسائل التعبير عن حب الوطن، والاعتزاز والمفاخرة به، فكيف إذا كان هذا الوطن هو المملكة العربية السعودية، قبلة الإسلام، وبلدين الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، وأرض الرسالة، ومؤسسه القائد الفذ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ذلك القائد الهمام الذي سجل أروع البطولات في مهمته العظيمة لتوحيد هذا الوطن، وكذلك أبناءه البررة من بعده، وما سطروه من إنجازات كبيرة نلمس شواهدها المتعددة على امتداد رقعة أرض المملكة، وحتى خارجها باعتبار السعودية قلب العالم الإسلامي وحامية عرينه بفضل الله.. كل ذلك يعطي الشعر المساحات الخضراء للتغني بالوطن، ويمنح الشعراء عاطفة وفخر الكتابة عن وطن كالمملكة العربية السعودية. فهذا الشاعر الكبير الأمير خالد الفيصل الذي أطرب القاف بجميل شعره، وأسر عشاق المعنى بعمق فكره، ينبض شعراً بحب الوطن. فيقول: أنا السعودي رايتي رمز الإسلام وأنا العرب وأصل العروبة بلادي وأنا سليل المجد من بدء الأيام الناس تشهد لي ويشهد جهادي دستوري القرآن قانون ونظام وسنة نبي الله لنا خير هادي وفي حب الوطن، يُكتب أجمل الشعر، وتُصاغ أجزل الأبيات، وتُرسم أبلغ الصور الشعرية، وتُنسج أعذب الألفاظ. فالوطن هو البيت الكبير الذي يجمع أبناء الشعب السعودي، هؤلاء الأبناء الملتفون بحب وألفة حول قيادتهم الرشيدة.. وتبلغ أهمية حب الوطن والدفاع عن مكتسباته وثراه، أن الشارع جعل من الدفاع عن الوطن فرض عين. وهنا ينظم الشاعر الرمز الأمير بدر بن عبد المحسن هذه القصيدة الوطنية المعبرة، والتي صدح بها قيثارة الشرق الراحل طلال مداح ويردد صداها في وسط المملكة وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها: الله الأول وعزك يا الوطن ثاني لأهل الجزيرة سلام وللملك طاعة حنا جنود الحرس للقايد الباني رمحه ودرعه وكف الشيخ وذراعه مثل السيوف البواتر وان جنى الجاني يضرب بها ارقاب من بالدار طماعة وهذا الشاعر الرائع الأمير عبد العزيز بن سعود (السامر)، الذي أطلق عليه الملك فهد - رحمه الله - لقب (شاعر آل سعود)، يكتب عن الوطن بحضور مميَز، وشاعرية فذة، وأبيات تعانق المجد.. فيقول السامر: أمرنا من فضل ربي في يدينا بالعدالة والعدل نهج المسيرة مقضب كفوف الرجال الصالحينا بالقيادة والزعامة والبصيرة وشعبنا في كل حال مجمعينا بالولا في ظل حكام الجزيرة ولن يكتمل عقد كتابة الشعر بالتغني بالوطن، دون أن نعرج إلى شاعر الوطن خلف بن هذال، ذلك الشاعر الذي حاز قصب السبق بأن يكنى ب (شاعر الوطن)، وأي فخر يضاهي هذا اللقب!.. وخلف حين يكتب عن الوطن، يكون بأقوى حضوره الشعري، ويلقي قصيدته بصوته الرعدي المدوي، ليشعل فتيل التصفيق بين الحضور، في تفاعل إنساني صادق لشاعر يكتب من القلب لوطنه. يقول خلف بن هذال: بلاد تطعم الجايع. بلاد تكسي العريان بلاد آمنة ما روَعت والأمن كاسيها وفيها قبلة المسلم وفيها من ولد عدنان نبي قام وأدى رسالته بأسمى معانيها إلى أن يجسد حب هذا الشعب الكبير لقائده ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله فيقول خلف: ملك نعم الملك شيخ الشيوخ مشيَخ الشيخان ملك كل القلوب ويملك الغالين غاليها فتح صدره ورحّب بالجموع وشرع البيبان تجي وتقابله وتروح مقنعها ومرضيها تمد له القدح فاضي وترجع بالقدح مليان عزيز النفس وجه وجاه والقدحان ماليها وللشاعر الجميل ناصر القحطاني، وهو صاحب الألق الشعري، أبيات جميلة كتبها في حب الوطن، الذي يصفه بالتاج الذي نتقلده على رؤوسنا، وأن دمائنا دون حد هذا الوطن الغالي. حيث يقول: مع كل نسمة يا وطنا تحية والله نحبك حب ما فيه قده يا تاجنا اللي روسنا به قوية يا نبضنا اللي دمنا دون حده ولأن الشعر ليس حكراً على الرجال دون النساء، فإن الشاعرات السعوديات ضربنَ أروع الأمثلة في روح الانتماء للوطن. والشعر الشعبي يشهد بالكثير من النصوص الوطنية التي كتبتها شاعرات السعوديات. وفي هذا الإطار أستشهد بهذه الأبيات للشاعرة المبدعة الراسية، والتي وظفت قريحتها الشعرية للكتابة عن الوطن، فتقول: يا وطنّا فدوة ترابك عمار عيالنا لك نسوق العمر فدوة يا وطنا وش بعد تامر تدلل مرخصين مالنا والله ان الموت من دونك شرف كانه تغنا ويبقى حب الوطن نابضاً في قلوب شعراء المملكة، ما بقيت الأرواح في أجسادهم، فحب الوطن واجب شرعي، وضرورة فطرية، وإحساس مفعم بالصدق والانتماء للمملكة العربية السعودية، والولاء لقادته الميامين، والنظر بعين التقدير للأسرة المالكة. ويبقى الحب خالداً لأغلى بلد، وأحب وطن، ولقائده الكريم الشهم ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ولولي عهده الأمين سلطان الخير صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظهما ولسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظهم الله جميعاً.. ولا ريب أن الوطن أجمل قصيدة في عيون الشعراء.