كتب الدكتور عبدالله الغذامي مقالاً قصيراً بإحدى الصحف، جاء لافتاً للانتباه من الناحية المهنية الصحفية والثقافية، ولكون كاتبه يصنّف كقامة ثقافية كبيرة في المجتمع الثقافي المحلي، استعرض هنا ذلك المقال كونه يمثل حالة أثارت لديّ بعض التساؤلات. المقال جاء بعنوان «جامعة الملك سعود تنتظر الكارثة» وبدأ بالنص (لن ألوم نفسي على هذا المقال إذ إنني أكتبه بعد أن اتصلت بمدير جامعة الملك سعود هاتفياً خمس مرات، وأرسلت له ثلاث رسائل ولم يرد على هواتفي ولا على رسائلي، مع أنني أخطرته أنّ الأمر خطر جداً، وأبلغته في واحدة من رسائلي أنني سألجأ للصحافة ولم يرد على هذه أيضاً.) وأورد الكاتب نصّ رسالته لمعالي مدير الجامعة. علماً بأنه حسب المقال بعث الرسائل السبت والأحد ونشر المقال الاثنين. وهذا نصّ رسالته للمدير: (أخشى أن يحاسبنا ربنا على كارثة مثل كارثة سيول جدة وتكون هذه المرة كارثة جامعة الملك سعود. سأكتب مقالة في الجريدة أبرئ ذمتي، وأعرّي المهملين، وهذه وثيقة مني وعليّ.. ع الغذامي). الموضوع يتعلّق بماس كهربائي حدث في أحد مباني الجامعة ويرى الكاتب بأنه نذير خطر. لم أجد تفاصيل تدعم جزع الكاتب من الموضوع، وليس المحتوى هنا موضوعي بقدر ما هي مهنية المقال. أبدأ بالسؤال بعيداً عن المثاليات: هل المطلوب من معالي مدير الجامعة أن يرد على كل رسالة جوال أو مكالمة بوقتها؟ هل يمكنه فعل ذلك؟ أم أنّ أستاذ الجامعة يرى أن شهرته الإعلامية تفرض على الآخرين بما فيهم مدير الجامعة أن يتجاوبوا معه، حتى وهو يكتب عبارات مباشرة (جافة) تحمل التهديد والوعيد باستخدام سلطته الإعلامية في التشهير بمعالي المدير؟ هل يليق بأستاذ ومثقف كبير أن يستخدم مثل هذا الوعيد والتهديد؟ هل أصبحت الصحافة سيفاً يخيف السادة المسئولين ؟ أم أنها (أنا) المثقف التي صوّرت له أنه بفضل علاقاته الإعلامية يستطيع تهديد من يشاء؟ ربما يطرق مثل هذا الأسلوب صحفي مبتدئ، نعذره لقلّة خبرته، لكن عندما يتعلّق الأمر بقامة ثقافية وإعلامية فالأمر يصبح محل تساؤل. هل تخلّى المثقف الكبير عن أدواره التنويرية وطرحه الفكري العميق للبحث عن أدوار بطولة على مستوى الشارع؟ هل الانفعال والحدّة هو ما يحكم سلوك المثقف؟ هل يكون ذلك دليلاً لخصومه بأنه انفعالي يصعب النقاش معه دون حدة؟ ألا توجد بالجامعة إدارات معنيّة كان الأولى طرق بابها؟ هل نسينا أنّ الجامعة تحتضن خمسة آلاف عضو هيئة تدريس وستين ألف طالب لا يمكن لمديرها التجاوب مع جميع مكالماتهم ورسائلهم؟ لست أعفي معالي مدير الجامعة، بل وأعتب عليه لعدم وجود آلية واضحة تتعامل مع الجمهور الذي يريد التواصل مع إدارات الجامعة. وربما أقترح عليه إيجاد أرقام طوارئ لمثل هذه الحالات أو إيجاد مركز اتصال بالجامعة يكون حلقة وصل بين مختلف إدارات الجامعة وجمهورها من الأساتذة والطلاب وأفراد المجتمع. أخيراً أرحِّب بسعادة الدكتور الغذامي ناقداً للتعليم الجامعي، وأدعوه لتقديم قراءات تنويرية فكرية حول الأداء الجامعي بصفة عامة وحول نقد تعليم اللغة العربية تحديداً. فكم نحن بحاجة إلى أقلام ناصحة خبيرة في هذا الشأن.