«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. شكل تعدد تجاربها في ميدان العمل الإعلامي على نطاقه الواسع، حصانة ساعدتها على مواجهة منتقديها، الذين عجزوا عن مجابهتها بالفكر، فلجأوا لسياسة التهديد والوعيد والانتقام، انتصارا لقضاياهم وفكرهم، ومن ذلك إقدامهم على حرق النادي الأدبي في الجوف، للعام الثاني على التوالي، لذات السبب، وهو علمهم باستضافة النادي للكاتبة والصحافية حليمة مظفر، التي نالت من رسائل التهديد بالقتل والانتقام، ما ناله رئيس النادي. • من أنت لمن لا يعرفك؟. كائن إنساني بسيط جدا. • لو عدت بذاكرتك إلى الطفولة.. هل كنت تعتقدين أنك ستسلكين طريق الحرف؟. أكيد، أنا مهووسة بالحرف منذ تعلمت الإمساك بالقلم لأكتب. • مشوارك الصحافي.. من أين بدأ، وإلى أين انتهى؟. بدأ منذ لحظة مراقبتي لما يكتب في الصحف، وتحديدا منذ الثانوية، فقررت دراسة الصحافة والعمل بها، وخاب أملي لعدم وجود قسم جامعي لتعليم الصحافة للطالبات حينها. • وإلى أين انتهى؟. آخر محطة لي كانت في العمل مع محمد الحارثي رئيس تحرير مجلة سيدتي، حين شرفني بتولي مهمات مسؤولية تحرير مكتب جدة للمجلة في السعودية، بعدها الله وحده يعرف ما المحطة التالية ومتى؟!. • كيف تصفين بداياتك في اقتحام هم الكلمة؟. كانت من الصفر، في صفحات القراء والواعدين، وصقلتها بالقراءة العميقة. • ولمن تدينين بالفضل؟. لا أنسى فضل الله علي أولا، ثم الوالد عبد الفتاح أبو مدين الذي شجعني في أولى سنواتي الصحافية. • وما أول إنجاز حققته، ونلت عليه الثناء؟. أول إنجازاتي، كتابي «عندما يبكي القمر»، وقد كانت كلمات عبد الفتاح أبومدين لي حينها، في أن أتسلح بالطموح والإرادة لمواجهة التحديات، وأن أكون كاتبة حرة لا تستعبدها الظروف، مضيئة لأهدافي التي خططت لها. • وصف بعض الدارسين لعلوم الشريعة، قولك «الإسلام ليبرالي في أساسه»، بأنك ليبرالية تمنهجين الدين وفق معتقداتك الشخصية.. ما ردك؟. أتقبل مثل هذا الكلام بصدر رحب، وما زلت أصر على رأيي بأن الإسلام في جوهره وأساسه ليبرالي ويؤمن بحرية وكرامة الفرد مسلما أو غير مسلم. • أليس في ذلك مغالاة؟. للأسف من يغالون في الدين، هم من شوهوا هذا المعنى للدين، ولا يعني ذلك أني أحاول تفصيل ليبرالية بمقاسات إسلامية، لأن الإسلام لا يحتاج لذلك، ورأيي هذا منطلق من قراءات عميقة، وليس اجتهادا عشوائيا. • وهل أنت في عداء دائم مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ليس صحيحا، لكني في عداء مستمر مع الأخطاء والاستغلال الذي يخل بواجبات الموظف، سواء كان في وزارة العمل أو الصحة أو التربية والتعليم أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم. • ماذا عن رجال الهيئة تحديدا؟. منسوبو الهيئة موظفون يستلمون من الدولة رواتبهم، وهذا يلزمهم بواجبات تؤدى لخدمة المواطن لا للإضرار به، ومتى ما أضر أحدهم بالمواطن، سأكتب لأطالب بمحاسبته مثلما أطالب بمحاسبة الطبيب والمعلم وغيرهما على أخطائهم. • عودة التهديد لرئيس النادي الأدبي في الجوف إبراهيم الحميد بالقتل، وإحراق النادي للمرة الثانية، بعد أن أحرق في العام الماضي، منعا لاستضافتك.. بماذا نفسره؟. هؤلاء المتطرفون مفلسون، لا يملكون قدرة المواجهة بالحجة والتفكير، سوى المنع والتصفيات والتهديدات كلغة إرهاب ضد المثقف الذي يمثل نموذجه إبراهيم الحميد في تلك المنطقة، سعيا لتفعيل الثقافة والتنوير ولغة الحوار. • معاودة إحراق النادي الأدبي في الجوف مرة أخرى.. بماذا نفسره؟. برأيي، لو أخذ حريق النادي في المرة الأولى بجدية، ونال المجرمون العقاب والحساب، لما تكرر الأمر مرة أخرى في وضح النهار، مع العلم أن النادي من أملاك الدولة، وأي عمل جنائي يلحقه، فهو عمل إرهابي. • وما سر هذا العداء؟. سر العداء، ما يتداوله المعارضون في مقالاتهم في المنتديات الإلكترونية، حيال ما أكتبه في الوطن من مقالات هزت سلطانهم المنسوج من خيوط العنكبوت، وأظهرت غلوهم وتطرفهم. • لماذا وصفت «الحب» بأنه كائن ناقص في وجدان السعوديين؟. لأنه كذلك، بسبب عامل التربية الاجتماعية والمدرسية والإعلامية التي نعيشها، من كون الحب ذنبا وشرا ينبغي أن نتطهر منه. • أليس في ذلك تجن؟. لا، فقد تشربنا هذه الفكرة منذ نعومة أظافرنا، حتى أصبنا بتلوث عاطفي وإعاقة وجدانية، ما جعل موقفنا تجاه الحب، إما أقصى اليمين أو أقصى اليسار، باستثناء قلة قليلة. • طالبت في أحد المقالات بالكف عن إغلاق المحلات التجارية أثناء الصلوات الخمس.. فما الذي دفعك لذلك؟. بل في مقالتين، وذلك لأنه في إغلاق المحلات أثناء وقت الصلاة ضرر اقتصادي واجتماعي كبير ينبغي إصلاحه، خاصة إغلاق محطات البنزين والصيدليات وهما من الضرورة ما يوجب فتحهما تحسبا للحالات الطارئة، وبالذات القابعة على طرق المسافرين، كون المسافرين يجيز لهم الجمع والقصر في الصلاة!. • ما صدى ما طالبت به؟. الأمر يحتاج إلى إعادة نظر من المسؤولين، في ظل عدم وجود مسوغات شرعية توجب إغلاقها، وما جاء في القرآن الكريم بصريح الآية الكريمة، كان خاصا بصلاة الجمعة «الظهر» فحسب. • هل يفهم من ذلك، أنك من أنصار الخروج عن المألوف؟. بل من أنصار البحث عن الحقيقة المنبثقة من مهنيتي الصحافية، والصراحة القائمة على التفكير بالحجة والمنطق، لا على العاطفة والمغالطة الشخصية التي تفقدك المصداقية، ولولا ذلك، لما سمح جمال خاشقجي رئيس تحرير جريدة الوطن وهو علامة بارزة في صحافتنا، بتخصيص مساحة لي منذ ثلاث سنوات، كي أتناول قضايا المجتمع وإنسانه، وثقته بي، محل تقدير واحترام كبير عندي. • ما تقييمك لدور المرأة في العمل الصحافي؟. ما تزال سجينة صندوق اسمه «قسم نسائي»، وهناك صحافيات ممتازات فعلا استطعن بجدارة التميز والمواصلة رغم التحديات، ولكن أخريات يتواصلن معي ويشكون لي معاناتهن، فكيف يعملن متعاونات طوال حياتهن بالقطعة، ولا أمان وظيفي ولا حقوق ولا دورات تأهيلية تطورهن، ودون ذلك لا وجود حقيقي لهن. • ما رأيك بأن الروائيات السعوديات المعاصرات بتن يبحثن عن إثارة الغرائز والخوض في الممنوع، بدافع البحث عن الشهرة وقد انتقدت ذلك الكاتبة الكويتية ليلى العثمان؟. المسألة لا تؤخذ بهذه الطريقة، ليس جميع الروائيات السعوديات تجاوزن الخط الأحمر، فهناك من لم تتجاوز الخطوط البيضاء حتى، كما أن ليس السعوديات وحدهن من يطرقن الجنس بجرأة، فهناك روائيات عربيات استخدمنه وما زلن من أجل الحصول على الشهرة وزيادة المبيعات، ولكن ما جعل السعوديات تحت المجهر أنهن خرجن بهذه الروايات عن مجتمع بالغ المحافظة والتدين والانغلاق، فراجت رواياتهن وغدت مطلب دور النشر العربية، وإن كانت هشة وضعيفة فنيا، لكني مطمئنة، فالتاريخ سيفرز الجيد من الرديء منها. • كيف تقيمين تجربتك في العمل التلفزيوني؟. لست من تقيم التجربة لكني فخورة بها وبنجاحها، وتكفيني شهادة زملاء وأدباء وإعلاميين كبار ممن تابعوها، ونشرت في الصحف، خاصة خالد البيتي مدير عام تلفزيون جدة الذي شرفني بشهادته لي من كوني متمكنة ومجيدة للعمل التلفزيوني. • بالرغم من سطوع الضوء الفضائي، إلا أن ضوء كتابة المقال الصحافي، لا زالت له الغلبة.. هل يعني ذلك، أنك نجحت في فن المقالة وفشلت في العمل التلفزيوني؟. أبدا، لم أفشل، بدليل نجاح التجربتين اللتين قدمتهما، الأولى في قناة اقرأ «خارج الإطار» والتي بلغ من نجاحها أن حصدت أعلى نسبة مشاهدة عربية ضمن برامج القناة نفسها خلال شهر رمضان الذي قدمت فيه، أما البرنامج الثاني «ستون دقيقة ثقافة وفن» في التلفزيون السعودي، فما كتب عنه في الصحافة من كتاب بارزين شهادة نجاح لي. • وما سر توقفك، بعد هاتين التجربتين؟. توقفي الحالي، لأنني دقيقة جدا في عملي، والعمل التلفزيوني، عمل فريق وليس فرد، لذا أحرص على أن يكون الفريق الذي أعمل معه بالمستوى المطلوب، إذا ما فكرت في عمل برامجي ثالث أقدمه يوما ما. • هل راودك الإحساس بازدواجية الأدوار ما بين الإعلام الفضائي والإعلام المقروء؟. إنهما مكملان لبعضهما، وستجد أن الإعلاميين الناجحين هم من جاؤوا من الصحافة المقروءة، كتركي الدخيل ومحمود سعد وزاهي وهبي وغيرهم. • ما الأخطاء التي ارتكبتها حليمة مظفر التلفزيونية؟. أتذكر أني في أولى حلقات برنامجي «خارج الإطار» في قناة اقرأ، كنت أهاب الكاميرا، ما جعلني أتوتر، ولكي أخفي توتري كنت كثيرة الحركة بيدي، ولكني تجاوزت هذا الخطأ بعد ذلك. • ما وقع تجاوز الخطوط الحمراء في كلا المجالين.. وأيهما أكثر وقعا وأشد ضررا؟. الأمران سيان لدي، فخطوطي الحمراء أنا من يحددها، وقد علمني عملي الصحافي، أن كل الموضوعات المسكوت عنها والمتجاوزة يمكن طرحها، ولكن بطريقة معالجة ذكية، وهو ما أحاوله. • حصلت على الماجستير في المسرح السعودي بدرجة امتياز.. فما قيمة الشهادة في ظل غياب المسرح؟. أمتلك رؤية مستقبلية، وأنا متفائلة بقدوم المسرح بشكل متطور إن شاء الله. • بماذا تصفين إصدارك «هذيان»؟. أترك الوصف للنقاد والمتذوقين. • من من الكاتبات تحرصين على تتبع كتاباتهن؟. كثيرات ممن أقرأ لهن من الزميلات، ومن الظلم أن أذكر بعضهن فقط، أما على المستوى العربي، فأنا أحب أن أقرأ لغادة السمان، فهي أكثر من شغلتني. • وهل هناك صحافيات عملن على تنمية ذواتهن وبلغن القمم؟. هناك صحافيات ممتازات، ولكن بعضهن يحتجن إلى فرصة حقيقية وإدارة تؤمن بمهنيتهن، لا أن تعتبرهن مجرد «تاء مربوطة حول وردة حمراء» لتزيين المؤسسة الصحافية. • لديك رسائل شخصية.. لمن توجهينها، وماذا تقولين فيها؟. لا أمتلك رسائل شخصية لأحد، فلا أحب الوصاية على الآخرين، فقط أتمنى أن نعتني جميعا بالتفكير والتشريح العقلي، لأننا أهملنا ذلك حتى بتنا خارج نص الحضارة الإنسانية. حليمة مظفر • مواليد مدينة جدة، وفيها تلقت تعليمها بمختلف المراحل التعليمية. • كاتبة عامود صحافي تحت عنوان «كلاكيتيات» بجريدة الوطن السعودية. • بكالوريوس في الآداب والتربية، تخصص لغة عربية، كلية التربية للبنات في مدينة جدة. • درجة الماجستير في الأدب والنقد، جامعة الملك عبد العزيز بجدة، عام 2007م، ورسالتها حول مفهوم الدراما وتطبيق نظريتها في المسرح السعودي. • عملت معيدة ثم محاضرة بقسم اللغة العربية بإحدى الكليات الجامعية للبنات، التابعة لجامعة أم القرى في منطقة مكةالمكرمة. • تولت مهمات مسؤولة تحرير مكتب جدة، لمجلة سيدتي عام «2008م 2009م». • أعدت وقدمت برنامجا تلفزيونيا ثقافيا بعنوان «60 دقيقة ثقافة وفن» في القناة الأولى في التلفزيون السعودي عام 2008م. • أعدت وقدمت برنامجا تلفزيونيا اجتماعيا خلال رمضان المبارك في قناة اقرأ لعام 1428ه، بعنوان «خارج الإطار»، وحصد وقتها أعلى نسبة مشاهدة عربية ضمن برامج القناة. • عملت محررة صحافية في الشؤون الثقافية والمحلية في صحيفة الشرق الأوسط الدولية العربية بين عامي 2003م 2007م. • نائبة مسؤولة اللجنة الثقافية النسائية في النادي الأدبي الثقافي في جدة. • شاركت ضمن وفد نسائي من 40 مثقفة وإعلامية سعودية، في الزيارة التي نظمتها وزارة الثقافة والإعلام لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بعد توليه الحكم. • حصلت على درع تكريم وشكر من الندوة العالمية للشباب الإسلامي، لإسهاماتها الصحافية في مهرجان «الأقصى في قلوبنا» عام 1422ه. • ودرع تكريم عام 1426م / 2005م، من اثنينية الشيخ محمد بن صالح النعيم في المنطقة الشرقية في مدينة الأحساء، تقديرا لجهودها الصحافية في خدمة الثقافة السعودية والقضايا الاجتماعية ونشاطها الإبداعي. • أصدرت كتاب «عندما يبكي القمر» نصوص وجدانية عام 1423ه /2003م. • وديوان شعر بعنوان «هذيان» عام 1425ه /2005م. • وكتاب «المسرح السعودي.. بين البناء والتوجس»، عن نادي الطائف الأدبي ودار شرقيات في القاهرة عام 1429ه /2009م.