رقم مفزع ذلك الذي أعلنه معالي وزير العمل حول الأعداد التي تم تاكيد تسجيلها ببرنامج حافز وهو المعني بصرف إعانة للعاطلين عن العمل، فقد أعلن عن مليون ونصف المليون مسجل بالبرنامج وهو يعني مبدئيا أنهم عاطلون عن العمل رغم أن الوزير قال إنه سيتم التأكد مع الجهات المعنية إذا ما كان من بين المسجلين طلاب أو أصحاب منشآت أو أي شخص لا تنطبق عليه شروط العاطل عن العمل المستحق للإعانة. وبالعودة إلى ما أعلنته مصلحة الإحصاءات العامة قبل عامين تقريبا فإن عدد العاطلين بذلك الوقت كان يبلغ قرابة 450 ألف مواطن ومواطنة ويشكلون نسبة تمثل 10.5بالمائة من مجموع القوى العاملة السعودية وتعتبر هذه النسبة مرتفعة أصلا قياسا بنمو الاقتصاد السعودي بل تتفوق على دول تعاني ركودا اقتصاديا بالوقت الحالي ولكن إذا ما اعتبرنا أن الرقم الذي أعلن قبل أيام عن المسجلين ببرنامج حافز هو يمثل حقيقة العاطلين عن العمل فإن نسبة العاطلين عن العمل ترتفع إلى ما يقارب 30 بالمائة حيث إنه لم يمكن أن يرتفع عدد السكان السعوديين خلال عامين بأرقام تبقي النسبة عند تلك التي أعلنتها مصلحة الإحصاءات العامة قبل عامين، ويمكن قراءة الرقم الذي فاق المليون بنصف إضافية من عدة جوانب فإذا اعتبرنا أن الوزارة ستقوم بدراسة كل طلب ومدى تطابقه مع شروط العاطل عن العمل التي حددتها ولم نعلمها إلى الآن وأن الأرقام ستنخفض حكما بنهاية المطاف فإن قصورا فنيا بطبيعة النظام التقني ساهمت بقبول أعداد كبيرة من المسجلين بالبرنامج حيث كان يفترض أن يتم وضع شروط واضحة وترتبط بعضها آليا بالجهات التي قصدها الوزير بحيث لا تسمح بقبول طلب من لا تنطبق عليه الشروط حتى يتسنى قبول طلبات المستحقين الفعليين وهذا سيوفر على الوزارة عناء كبيرا كما لا يسمح بظهور أرقام مهولة تثير القلق فكان لابد من ربط النظام بالجامعات وغيرها من الجهات التي يظهر فيها أي مقدم طلب إذا كان ينتمي لها بحيث يتم استبعاده آليا. كما أن عدم وجود حد أدنى إلزامي للأجور بالقطاع الخاص يتناسب مع تكاليف الحياة بحدها الأدنى يجبر الكثيرين على التسجيل بالبرنامج رغم أنهم يعملون، فالأجهزة الحكومية تم تحديد الحد الأدنى للأجور فيها عند ثلاثة آلاف ريال شهريا، بينما لم يتم ذلك بالقطاع الخاص وظهرت مبادرات فردية من بعض المنشآت بالقطاع الخاص تماشت مع الأمر الملكي بالحد الأدنى للأجور بالقطاع العام مما يعني ضرورة إعادة النظر بهذا الجانب كي يتمسك العامل السعودي بعمله ويشعر بأنه يحقق له مصدر دخل كافٍ ولا يرى بأن دخله ضعيف بشكل يجعله يبحث عن عمل آخر وينظر لعمله بأنه مجرد محطة مؤقتة على اعتبار أن دخله لا يكفيه وبعضهم بالتأكيد فضل الحصول على الإعانة على البقاء بأعمال ذات دخل ضعيف وأذكر هنا بأن رواتب موظفي الصندوق بمحلات تجزئة كبيرة لا تتعدى 1200 إلى 1500 ريال شهريا بخلاف رواتب المدرسين بالقطاع الأهلي التي صدر أمر ملكي كريم بتعديلها قبل عدة أشهر لتفوق 5000 آلاف ريال بعد معاناة لسنوات عاشها مدرسو القطاع الأهلي. كما أن الأرقام المعلنة تعكس أيضا أثر خطط التنمية بفتح فرص وظيفية تتناسب مع زيادة الداخلين لسوق العمل فالإنفاق الحكومي الكبير لم يستطع استيعاب أعداد كبيرة إلى الآن نتيجة للأعذار التي يسوقها القطاع الخاص المنفذ لكل المشاريع الحكومية دائما والتي أصبحت اسطوانة مشروخة ففي الوقت الذي يتم إصدار قرابة مليون تأشيرة سنويا جزء كبير منها تخص شركات حصلت على عقود حكومية أو شركات تستفيد من الإنفاق الحكومي الضخم بشكل غير مباشر كخدمات للأعداد المضافة من العمالة الوافدة فإن ذلك يعكس خللا كبيرا في إظهار الأثر الإيجابي للتنمية الاقتصادية على تنمية الموارد البشرية الوطنية وزيادة الفرص الوظيفية بالاقتصاد لها مما يستوجب تعاملا مختلفا بتحديد شروط توطين الوظائف لدى القطاع الخاص وهو ما أشار له وزير العمل بأن هناك إجراءات جديدة تخص برنامج نطاقات المعني بنسب السعودة لدى المنشآت بالقطاع الخاص. الأرقام المعلنة تعكس خللا هيكليا بسوق العمل وحاجة ماسة لإعادة تنظيم هذا السوق المهم جدا لما له من انعكاسات وأثر كبير بالاقتصاد فالقطاع الخاص الذي يقدم إيرادات صندوق الموارد البشرية المكلف بدفع إعانات العاطلين عليه أن يدرك أن توظيف المواطنين يرفع من نسبة نمو الاقتصاد الوطني من خلال مشاركتهم بالإنفاق فيه ورفع مستوى الطلب المحلي مما يشجع على ضخ المزيد من الاستثمارات بالاقتصاد الوطني فالولايات المتحدة لم تستطع دفع اقتصادها نحو نمو سريع كون كل خطط الإنقاذ التي اتخذتها لم تخفض من نسب البطالة لديها وتعمل الحكومة الأمريكية على معالجة هذا الخلل لما للمستهلك من أثر كبير على اقتصادها وها هو رئيس البنك الدولي يدعو الصين التي تعد من أكبر الاقتصاديات نموا بالعالم إلى رفع مساهمة الفرد بالاقتصاد من خلال دوره الاستهلاكي حتى لا تبقى معتمدة على التصدير فمن الأجدر أن يكون هناك مشاركة من القطاع الخاص مع وزارة العمل لتوطين الوظائف لأن الأثر الإيجابي سيطال الجميع وتكون نسب النمو المحققة بالاقتصاد ذات أثر إيجابي بفتح الفرص الوظيفية للمواطن وتمكينه من لعب دوره الحيوي بالاقتصاد الوطني كمنتج ومستهلك دائم.