فإن الله كتب علينا ان نعيش في هذه الدنيا الفانية، ونفجع بموت الأقارب والأصحاب، والاخوان والأحباب، ولا شك أن من فراقهم تنفطر القلوب، وبعد رحيلهم تتقرح الجفون، وتنفلق الأكباد. قالت الخنساء وكانت في الجاهلية حينذاك ترثي أخاها صخراً: يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره بكل مغيب شمس ولولا كثرة الباكين حولي على اخوانهم لقتلت نفسي ولو قتلت الخنساء تماضر بنت عمرو رضي الله عنها نفسها ما عاد أخوها بل بدل الميت الواحد صارا اثنين, ولا ننسى أن نذكر صبرها رضي الله عنها عند استشهاد أولادها الأربعة في معركة القادسية فصبرت واحتسبت وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو الله أن يجمعني بهم في الجنة وذلك بعد أن اسلمت وحسن اسلامها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتت إليه عليه السلام وقال لها: ايه يا خناس إعجابا بشعرها. وقال ابن الرومي في رثاء ابنه الأوسط: عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له ولو أنه أقسى من الحجر الصلد لقد اختطفت يد المنون روح صديق لي من أعز الأصدقاء، هو المرحوم ان شاء الله المغفور له بإذن الله الأستاذ توفيق شاكر الطاهر الذي كان حبيبا لنفسي، قريبا لقلبي، يكاد يكون توأم روحي، وان بعدت بيننا المسافة، وفرقت بيننا الأزمان. كان زميلا لي في الابتدائية، وكنا نذهب الى المدرسة الهاشمية بنابلس معا مشيا على الاقدام صيفا وشتاء، وما أكثر ماكنا نتقي من المطر أيام الشتاء بمظلة واحدة، ونتعاون في الدرس، ثم انتقلنا الى المرحلة الثانوية ودرسنا في المدرسة الصلاحية الثانوية بنابلس ايضا واستمرت صداقتنا بل تأكدت وتأصلت، وكان طيبا كريما ودوداً الى أن تخرجنا من الثانوية وتفرقنا ردحا من الزمن طويلا. وأصبح رحمه الله من كبار رجال الأعمال لكن لم يزل على تواضعه الجم، وأخلاقه الممتازة، ودماثة طبعه، وبشاشته وأشهد أنه كان يقضي حاجة من يقصده قبل أن يكمل طالبها عرضها، ولا يطلب منه أن يعود غدا ان شاء الله، أو يقول ليتك جئت أمس ولقد كانت علاقتنا تزداد ارتباطا على رغم ما مر من السنين، بل تلك السنون زادته حبا لي وتقديرا وأخوة, ورحم الله أحمد شوقي حين قال: كما مرت الليالي عليه رق والعهد بالليالي تقسيّ وعلى كل ما يعزينا في مصيبته ان كل الناس ميتون، وأحب الخلق الى الله تعالى نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم مات، ومات أولاده في حياته صلى الله عليه وسلم فصبر واحتسب، وقال عليه الصلاة والسلام لما بكى على موت ابنه ابراهيم وسئل عن بكائه قال: ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. أما بعد فإني أدعو الله أن يغفر لصديقي أبي شاكر وأن يدخله فسيح جناته مع الصالحين بفضله وكرمه. قال الله تعالى:(ولنبلونكم بشيء من الخوف الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين, الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). وقال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون). وقال جل من قائل :(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). وقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام:(إنك ميت وإنهم ميتون). وأخيراً عزائي أقدمه لابنه شاكر وشقيقته وحرمه أم شاكر وآل الطاهر الكرام، ولله الأمر من قبل ومن بعد . نزار رفيق بشير الرياض