إنه ليحار المرء في كيفية رثاء رجل بقامة الراحل الكبير صاحب السمو الملكي الأمير محمد العبدالله الفيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله -.. فالكلمات تقف حيرى في رثاء رجل في قامة الأمير الراحل - تغمده الله بواسع رحمته- فإن جوانب العطاء الناتج عن مواهب شتى تجعلنا قاصرين في حصر مناقب الفقيد الراحل.. حتى في وداعه كان مهيبا.. هل أتطرق للآلاف الذين استقبلوا جثمانه في المطار ؟!.. أم مئات الآلاف الذين صلوا عليه؟!.. أم الآلاف المؤلفة الذين حضروا لمقبرة العدل حيث يرقد والداه - رحمهما الله - ؟!.. أو ..أو.. يطول بنا المقام ، إنما سأتناول سيرة عطرة للإنسان أو لمجموعة مكونات إنسان هي التي كونت شخصية أبي تركي - رحمه الله -. - محمد العبدالله الفيصل.. هو مجموعة إنسان.. نعم أبو تركي مجموعة رائعة.. وتوليفة عبقة من ( الإنسان ) في أروع حللها.. وفي أزكى طيوبها.. فهو موغل في إنسانيته وفي ورده وزهره وفله وكاديه.. ينبثق منه ألق الإنسانية مهما تقلبت (المقادير).. يفوح شذى عبقا مهما عصفت رياح التغيير والمتغيرات.. نعم محمد العبدالله الإنسان بشارة فرح وحراك جميل مسفوح على الخوافق.. يصافح بوميض عطره الإبداع بحميمية لا تذوب ولا تطمس ولا تخفى.. نعم إنه سحابة أرجوان نقية تهطل مزنا سلسبيلا على القلوب.. وعلى أفئدة أخيه الإنسان.. رغم المعاناة والوجد.. وتلك النفس المتعبة بالآخرين.. إنما هذا قدر الكبار. - من ذكرياتي مع الراحل الكبير - رحمه الله -.. فقد حدث شرخ في العلاقات الأهلاوية - الأهلاوية.. بسبب إدخال تعديل طفيف على (لوقو) النادي الأهلي أثناء إشراف سموه على كرة القدم في النادي الأهلي.. وكنت من أشد المعارضين لهذا التعديل.. وبعد فترة من الانقطاع.. اتصل عليّ الكثير من الأهلاويين ومنهم صحفيون ومشجعون.. يحثوني على الوقوف مع الأهلي وليس مع الأشخاص أو الشعارات.. وعلى هذه القناعة حضرت الاجتماع الشرفي الكبير برئاسة سموه.. وبوجود رئيس النادي آنذاك الأمير نواف بن عبدالعزيز بن تركي.. وحشد كبير من أعضاء الشرف.. وقد فوجئت بترحيب شديد من أبي تركي بالعبد الفقير إلى الله.. وكنت قد كتبت بجريدة عكاظ مقالا في نفس يوم الاجتماع تحت عنوان (فعّلوا التنفيذي) وأقصد المجلس التنفيذي للنادي.. وإذا بسموه يسبغ علي عضوية الشرف الأهلاوية.. وعضوية المجلس التنفيذي.. وترشيحه أمينا لصندوق المجلس.. وكنت غير متحمس من الترشيحات الثلاثة المتتابعة.. ثم بعد انفضاض الجلسة التقيت بسموه وقلت: إنني أثمن هذه الثقة الكبيرة.. ولكني لا أتفق على مبدأ ترشيح أعضاء الشرف.. بل أرى أن تكون العضوية الشرفية ذات مردود مادي على النادي.. فتقتصر على من لديه سيولة عالية.. ويسدد قيمة العضوية الشرفية.. وليس في صالح النادي حضور أعضاء شرف وهميين.. لا دور لهم غير هز الرؤوس وأكل البيتيفور وشرب العصائر.. وهذا معيب في حق ناد كبير مثل الأهلي.. اختصر سموه الرد: كلامك صحيح.. إنما (شوفة) عينك!! - رحم الله الراحل الكبير.. فقد كان ذا مصداقية.. ورجل مواجهة.. فالذي في قلبه النقي على لسانه العذب ... وهي لعمري ديدن سيرته الذهبية.. فثقته في نفسه متناهية وذلك دلالة على نبل معدنة.. فقد كان - رحمه الله - من أنقى من تعاملت معهم على صعيد الرياضة.. فالثقة بالنفس تكتسب وتكسب رجالا أقوياء.. و إن الأخلاق والشرف والنزاهة والتواضع هي شجاعة الرجل القوي.. وهي لعمري سيرة رجل عظيم بكل المقاييس.. منذ نشأته في مكةالمكرمة وإلى حين أكمل دراسته في سويسرا .. فثقته في صبره معين لم ينضب.. فمن كان في قامة أبي تركي.. فعقله الذي فطره الله على نعمائه.. لا ينتقل لمن هم في قامة الشرف والأخلاق من متعة إلى متعة.. بل من أمل إلى أمل.. ومن عمل إلى عمل.. ومن إبداع إلى إبداع. - أذكر جيدا أن من ثقته في نفسه ومصداقيته العالية.. أنه كان يرد على كل المكالمات الهاتفية الواردة إليه.. و لم أهاتفه نهارا أو ليلا.. إلا ورد على الهاتف مباشرة. -أيضا في الأهلي.. فبعد خسارتين متتاليتين من فريق النصر على كأسي الملك وولي العهد في التسعينيات الهجرية.. وجه سموه بتعاقد النادي مع مدرب كبير.. إذ حدد الخلل الأهلاوي في التدريب.. وفعلا قامت إدارة النادي برئاسة سمو الأمير خالد بن عبدالله.. بالتعاقد مع مدرب الفريق التركي (فنار بخشه) البرازيلي ديدي.. وكان راتبه مرتفعا في ذلك الحين.. إذ بلغ عشرة آلاف دولار شهريا.. فضلا عن المساعدين ومدرب اللياقة والحراس.. وتكفل- رحمه الله- بكل مصاريفهم.. ثم أحضر بعد ذلك الداهية العالمي السيد تيلي سنتانا.. كما عرف عن سموه كرمه الشديد.. ففي التسعينيات الهجرية أسبغ على أحد لاعبي الأهلي بمليون ريال.. وهو ما يعادل أكثر من عشرة ملايين ر يال في وقتنا هذا.. كما أن فكرة المتطور والسابق لزمنه.. جعله يستحدث دورة الصداقة الدولية بأبها.. وهي معترف بها من الفيفا ويحضر مندوبون سنويا لتقييم البطولة.. أما محمد العبدالله المسؤول في وزارة المعارف.. ومحمد العبدالله الشاعر الذي لا يجارى.. ومحمد العبدالله المحسن الكبير.. ومحمد العبدالله الإداري المحنك.. فأتركها للمختصين. نبضة قلت له بعد أن ترك الأهلي والرياضة نهائيا.. هل خذلك الأهلاويون.. قال: نعم وأنت منهم!! (لا تعليق) غير رحمك الله أبا تركي وأسكنك فسيح جناته!!