كشف الدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لقطاع الآثار والمتاحف في معرض رده لسؤال (الجزيرة) خلال مؤتمر صحفي بجدة أنه تم اكتشاف بقايا بشرية ومجسمات لحيوانات وأدوات وأواني يعود تاريخها إلى 9000 سنة قبل الميلاد، وذلك في موقع آثار هام أطلق عليها «حضارة المقر» نسبة إلى المنطقة التي وجدت فيها، شرق مدينة أبها في منطقة متوسطة بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر وذلك بتعاون أحد المواطنين الذي أرشد إلى الموقع، حيث تم تكريمه وصرف مكافأة مجزية له نظير جهوده وحرصه على حضارة وتراث وطنه. وقال الدكتور علي الغبان لوسائل الإعلام المحلية والعالمية إن «نتائج فحوص الحامض النووي + دي أن أيه + واختبارات كربون 14 المتخصصة أثبتت أن الشواهد والمواد الأثرية التي عثر عليها في الموقع تعود إلى حضارة إنسانية متقدمة جدا من فترة العصر الحجري الحديث شهدتها هذه المنطقة قبل تسعة آلاف سنة». وأوضح الغبان أن «البقايا الآدمية التي عثر عليها في الموقع وجدت محنطة بطريقة مبتكرة تختلف عما هو سائد من طرق التحنيط المعروفة»، وأعطى مثالاً أن الطرق المعروفة يتم تحنيط الأيدي فيها بتجميع الأصابع ولكن الطريقة المكتشفة تم تحنيطها بتفريق أصابع اليد، رافضاً تقديم تفاصيل أكثر بحجة أن عملية البحث ما زالت جارية بشأن البقايا الآدمية التي عثر عليها. وبيّن الغبان أن الهيئة العامة للسياحة والآثار باشرت استكشاف الموقع والبحث فيه في شهر ربيع الثاني 1431ه مارس 2010م. وعثر الفريق الاستكشافي بالموقع على تماثيل لحيوانات متعددة، استأنسها الإنسان الذي عاش في هذا الموقع، واستخدم بعضها الآخر في نشاطاته وحياته اليومية، ومن هذه الحيوانات: الضأن والماعز والنعام، والكلب السلوقي، والصقر، والسمك والخيل. وأشار إلى أن المواد الأثرية الموجودة بالموقع تدل على أن فترة العصر الحجري الحديث، هي الفترة الأخيرة التي عاش فيها الإنسان في هذا المكان (9000) سنة قبل الوقت الحاضر، وإليها يعود تاريخ الأدوات الحجرية التي تم التقاطها من سطح الموقع. وأبان الغبان أنه لتأكيد تاريخ الموقع، تم أخذ أربع عيّنات من المواد العضوية المحروقة من طبقات الموقع الأثرية وتم إرسالها إلى أمريكا لتحليلها في معامل خاصة بتحليل الكربون 14 لمعرفة تاريخ الموقع، وجاءت تواريخ العينات في بداية الألف التاسع قبل الوقت الحاضر. وأكد الغبان أنه تم تحديد التاريخ باستخدام تحليل درجة الكربون المشع، المعروف بتحليل كربون 14 (C14) وهي تقنية تعتمد على قياس نسبة تقلص الكربون المشع في المادة العضوية عبر الزمن، كما تم إجراء الفحص على أربعة عينات عضوية (عظام) مختلفة جمعت من أنحاء متفرقة من الموقع، وقد أعطت جميعها تواريخ متوافقة إذا ما أخذنا بمعامل الزيادة والنقصان -/+ 50 سنة. وعليه فإن العينات الأربع تراوحت في تاريخها ما بين 8110 إلى 7900 سنة قبل الوقت الحاضر، وتوجد بالقرب من الموقع مواقع أخرى أقدم تاريخاً يمكن نسبتها إلى العصر الحجري الوسيط. وأضاف إنه يعد وجود تماثيل كبيرة الحجم للخيل في هذا الموقع مقترنة بمواد أثرية من العصر الحجري الحديث يرجع تاريخها إلى 9000 سنة قبل الوقت الحاضر، اكتشافاً أثرياً مهماً على المستوى العالمي، حيث أن آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا (كازاخستان) منذ 5500 سنة قبل الوقت الحاضر. وهذا الاكتشاف يؤكد أن استئناس الخيل تم على الأراضي السعودية في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل. وأكد الغبان أن «طول أحد تماثيل الخيل التي وجدت في الموقع يقارب 100 سنتيمتر، وهو يمثل الرقبة والصدر. ولم يعثر من قبل على تماثيل حيوانات بهذا الحجم في أي موقع آخر في العالم تعود إلى هذه الفترة نفسها. ويحمل ملامح الخيل العربية الأصيلة ويتضح ذلك من طول الرقبة وشكل الرأس». ولفت الدكتور الغبان نائب رئيس هيئة الآثار والمتاحف رئيس الفريق العلمي في نهاية المؤتمر الصحفي إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أصدر توجيهاته الكريمة لعرض هذه الآثار في المتاحف والمعارض الدولية وسيكون متحف لندن أول متحف خارجي يحتضنها بعد أشهر قليلة وبعدها في معارض متخصصة بأمريكا.