في تتابع الأيام وخضم الأحداث، تتلاشى المعاني الإسلامية الراقية وتضعف في القلوب والنفوس الآثار الإيمانية.. فيأتي رمضان ليسقيَ ما قحط ويُنبت ما بُذر، فتلين القلوب وترق النفوس، فتنشر المحبة والوفاء وحسن الظن وسلامة الصدر.. وهذه علامة المؤمن محباً لإخوانه موالياً لهم على طاعة الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا) - صحيح مسلم -، فلا يكمل ويتم الإيمان بلا محبة وولاء للمؤمنين؛ لأن المحبة أساس فعل الخير للناس والتعاون معهم على البر والتقوى وحفظ حقوقهم. ومنازل المتحابين في الله عظيمة رفيعة، قال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، اسمعوا واعقلوا واعلموا أنّ لله عزّ وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم، وقربهم من الله، فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ناسٌ من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم، وقربهم من الله انعتهم لنا، فسُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الأعرابي فقال: هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابُّوا في الله وتصافوا يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نوراً، وثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة وهم لا يفزعون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) - مسلم -، وفي الحديث القدسي: (وجبت محبتي للمتحابين فيَّ وللمتجالسين فيَّ وللمتزاورين فيَّ وللمتباذلين فيَّ). فلم يحصل أهل المحبة في الله على هذه المنازل العظيمة، إلاّ لما للمحبة من أثر في شرع الله وإقامته وشيوع الخير وانتشاره في المجتمع والأمة، فلا تقوم الأمم ولا تصلح المجتمعات إلا بفشوّ المحبة والتعاون على الخير. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، من الخير) - النسائي -. فالمقصود هو عمل الخير وسلامة الصدر وحسن الظن بالآخرين ومنفعة المسلمين. قال عليه الصلاة والسلام: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). وشهر رمضان فرصةلتجديد المحبة ونشرها بين المسلمين وتحويلها إلى واقع عملي ومساعدة المحتاج والتعاون على الخير. * الرياض