كثيراً جداً ما سمعنا ونسمع، أنّ الصوم شرع كي يتذكّر الصائم إخوانه الفقراء، ويعيش حالتهم، ويحمله الصوم على البذل والإنفاق على الفقراء والمحتاجين، وأنّ هذا سر الصيام ومن أجله شرع ... إلخ. وهذا الحديث يثار كل عام وبهذه الفلسفة المتكررة عبر القنوات والإذاعات، بل حتى بعض الوعّاظ في المساجد يردّدون هذه الفلسفة، وهذا فيه نظر وبُعد عن الصواب، وإنْ كان وارداً لأنه لو كان الصيام من أجل أن نتذكّر الفقراء! فلماذا إذاً يصوم الفقراء أنفسهم! فالجواب الصواب أننا نصوم رمضان تقرباًً لله وتنفيذاً لأمره، أما أهدافه، فإنّ من أسماها وأعظمها: كسر شهوتي البطن والفرج لأنّ هاتين الشهوتين من أخطر وأعظم شهوات النفس البشرية، وهما لخطورتهما تجرّان المسلم إلى الموبقات كالقتل والزنا أو غيرهما من الكبائر. فكان الانقطاع عن الأكل والشراب والجماع كسراً لشهوتي البطن والفرج، وإضعافاً لهما أن تكونا سبباً في اقتراف الآثام. إنّ شهوتي البطن والفرج يوردان صاحبهما الموارد!!. فالإمساك عن الطعام والشراب والجماع، تربية للنفس وتعويد لها على ضبط هاتين الشهوتين، فلا بد أن نتربّى على ضبط ما نأكل ونشرب، وأن نقف عند المباح من المطعوم والمشروب والمنكوح. إنّ في إمساكنا عن الطعام والشراب المباحين طيلة نهار رمضان، دعوة وتربية إلى ترك المطعومات والمشروبات المحرمة كل وقت وحين، كما أنّ إمساكنا عن ممارسة الجماع (الجماع المباح) في نهار رمضان، هو أيضاً تربية وتحذير واضح للبُعد التام وعدم الاقتراب من الزنى ودواعيه أو النظر للعورات والفضائيات المحرمة. ولكي أؤكد لك بالدليل والبرهان على خطورة شهوتي البطن والفرج، فإني أذكّرك بأول ذنبٍ وقع فيه أبوك آدم حيث أكل من الشجرة، إنّ شهوة البطن العارمة، والتي عجز آدم أن يصمد أمامها وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً إنها شهوة البطن الرهيبة، كما أنّ شهوة الفرج كانت سبباً في أول جريمة قتل وقعت على الأرض، وذلك حينما أقدم قابيل على قتل هابيل من أجل نكاح أخته، والتي كانت من نصيب هابيل. إذاً لابد أن ندرك المقصد الأسمى من الصيام، ألا وهو كسر هاتين الشهوتين العظيمتين وإضعافهما عن المباح في نهار رمضان، وزجرهما بقوة عن المحرم في رمضان، وبقية الشهور ومن لم ينته عن أكل الحرام وشربه أو بيعه وتعاطيه، ولم ينته عن القرب من الزنى ودواعيه بالنظر واللمس أو الفعل، كما أنّ من لم يسكت عن الغيبة وأخواتها، والنظر إلى العورات المحرمة، ولم يدع قول الزور، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه وشهوته في رمضان !!.