كتبت في هذه الجريدة غير مرة عن موضوع تفسير الرؤى والأحلام، كان آخرها في العدد رقم (14206) بعنوان (مفسرو الأحلام..الماديون..المبتزون!) تناولت فيها جميعاً ظاهرة تفسير الأحلام التي انتشرت في الآونة الأخيرة في المجتمعات الإسلامية وبخاصة في (مجتمعنا السعودي) طالبت حينها بالوقوف عندها وتأمل مخاطرها ولزوم تحرك أهل العلم الشرعي المعتبرين والجهات الرسمية تجاهها، وعدم تركها بهذه الكيفية الممجوجة، من أجل ردع من كان وراء إذكاء نارها المستعرة وحماية المجتمع من عواقبها، هذه الظاهرة سرت كما تسري النار في الهشيم، وسط صمت الجميع، وقودها النساء والجهلة، ومرة أخرى وحتى لا يفهم مقالي بالمقلوب؛ فإني لا أنكر علم تفسير الرؤى والأحلام، كعلم شرعي له قواعده الشرعية وأهله الملتزمين بهذه القواعد المرعية، وليس هذا هو محل هذه المقالة؛ بقدر ما كنت ضد أغلب هؤلاء المفسرين الذين قلبوا الطاولة على مجتمعهم، يوم أن صوروه، مجتمعاً مريضاً راكناً للخزعبلات والتوهمات والأوهام السطحية، معظم هذه الرؤى والأحلام، تأتي نتيجة ملء البطون في الليل يعقبها النوم، فتبدأ الكوابيس التي يقلبها المستسلمون إلى رؤى وأحلام، ثم يبدأ سيناريو ملاحقة الدجالين والمبتزين المتربصين عبر الهواتف وقنوات الدجل والشعوذة، مفسرو الرؤى والأحلام صدقوا الكذبة وأوهموا عباد الله بأن رؤاهم وأحلامهم في محلها وطفقوا يشرقون ويغربون بهؤلاء الجهلة وخاصة الخاصة (النساء) حتى وقع البعض منهن في شراك هؤلاء الشياطين، إما تطليقاً أو علاقة غير شرعية، يا جماعة مهما قيل من مبررات عن تفسير الرؤى والأحلام في هذا العصر والدفاع عن أصحابها الذين باتوا يتبارون في اصطياد فريستهم، أغلبهم كذابون أشرون ونصابون محتالون ودجالون، أقولها وأبصم بالعشرة، أصابوا الناس بالوهن والوهم، كذبوا يوم أن قالوا المملكة بحاجة إلى مئة ألف مفسر أحلام قياساً على عدد سكانها البالغ 26مليون نسمة حسب قولهم، هذا الكلام ليس من بنات أفكاري، بل هو كلام أحد المشايخ! قرأته يوم الجمعة (غرة رمضان 1433ه) في إحدى صحفنا المشهورة بعنوان (المملكة بحاجة إلى 100 ألف معبر للرؤى والأحلام) معللاً قوله «بأن هناك بعض الحرج في تعبير الرؤى للطبقة العليا من المجتمع.. وأن النساء أكثر تعلقاً بها.. والمعبرون المعروفون في الإعلام ثمانية فقط « انظروا يا رعاكم الله كيف يراد لهذا المجتمع، فبدلاً أن يقول نحن بحاجة لهذا الدد في ضرورات الحياة كالتعليم والطب والهندسة والطيران والقوة الرادعة؛ يعد هذه الخرابيط ضرورية لا تستقيم الحياة إلا بها، لا! ويتحسر على قلة عدد المفسرين، ويعده تخلفاً وتأخراً عن الركب، والله مصيبة يوم وصل تفكير البعض إلى هذه الدرجة، نعم اللوم ليس على هذا الرجل، بقدر ما هو على المجتمع الذي يتقبله وأفكاره ومزاعمه، وعلى الإعلام الذي يروج لترهاته وأفكاره السقيمة؛ بل على الجهات الرسمية التي غضت الطرف عنه وأمثاله وتركتهم يصولون ويجولون ويتمادون ويبارون في أطروحاتهم المريضة، عدد كبير من أعضاء هيئة كبار العلماء وعلى رأسهم سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ينفرون من هذا السلوك، وينفرون الناس من هؤلاء المدعين، ويحذرون من أعمالهم المظلة، سمعت غير مرة سماحة المفتي في برامج الإفتاء وعبر خطبه في الجمعة، يحذر المجتمع من مغبة الإستماع والركض خلف ترهات وخزعبلات مفسري رؤى وأحلام هذه الأيام وقنواتهم التجارية، التي اتخذوها أوكاراً لهم وجعلوها مطية لتحقيق مآربهم وشهواتهم المريضة، نعم ولا غير، أبهذه العقول يجرجر مجتمعنا؟ أبهذه الكيفية السقيمة يستغل الدين؟! ويا ترى من يستغله؟ يستغله من يتدثر بعباءته، من بعض الدعاة والوعاظ والرقاة المتشيخين المتسلقين، دعاة الشهرة والشهوة والمال، الذين يستخفون في العقول ويسرقون ما في الجيوب، أخشى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه عيادات ومكاتب أو بيوتات لتفسير الرؤى والأحلام في طرقنا وشوارعنا وحاراتنا، تنافس عيادات الأسنان والصيدليات المنتشرة هذه الأيام في كل شارع وناحية! أم المهالك، أن أغلب من تصدى لهذا العمل أسوة بأمثالهم من الوعاظ والرقاة؛ هم قليلو العلم الشرعي، لا يتجاوز مؤهلهم العلمي (الثانوية) أعرف أحد الرقاة الذي طار اسمه في عنان السماء لا يتجاوز مؤهله العلمي (الإبتدائية) وآخر من مدعي تفسير الرؤى والأحلام لا يتجاوز مؤهله (الثانوية الصناعية) فهل نزل عليهم وحي من السماء؟! وكيف اكتسبوا هذه العلوم؟ لا نملك إلا إجابة واحدة، استغلوا جهالة البعض واستسلامه لأوهامه، وصمت الجهات المختصة، ونفخ الإعلام لهم ومنحهم درجات لا يستحقونها في الأصل، هذه الأمور بمجملها، بمثابة تأشيرة الدخول التي منحت لمدعيي تفسير الرؤى والأحلام، القريبون في الحقيقة من السحرة والمشعوذين والدجالين، كلهم وجوه مقنعة لعملة واحدة...ودمتم بخير. [email protected]