ونحن نعيش الصيف الساخن في أجوائه الحارة، دعوني أعود بكم إلى الوراء قليلاً، لاستثارة الذكريات من كوامنها، ومن خواطري هذه المرة سأحدثكم عن مدرستي «الخالدية بمحافظة خميس مشيط» والتي فتحت أبوابها لتلاميذها في عام 1385ه، فرغم انتقالها إلى مبنى حكومي جديد في عام 1394ه، وولادة مدرسة منها أخرى في نفس الموقع سميت بمدرسة الإمام الشافعي، إلا أن مبنى المدرسة الخالدية القديم ذا التسليح الشعبي في بعض أجزائه، ما زال باقياً في مكانه بوضعه القديم، ماعدا أن واجهته تحولت لمحلات «لبيع الموبيليا « كان يميز موقع المدرسة أنها تحتل موقعاً في محيط «حي الدرب « أقدم أحياء الخميس، وإلى الغرب منها على بعد 20 مترا يقع «مسجد النملة» القديم والذي بني على حد علمي على نفقة الفريق النملة قائد الحرس الملكي السابق، فأجدني كل مرة أمر بهذا المبنى أسترد شريط الذكريات أثناء دراستي فيها، ولسان حالي ما قاله نزار قباني: وأرجعيني إلى أسوار مدرستي وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا تلك الزواريب كم كنزٍ طمرت بها وكم تركت عليها ذكريات صبا وكم رسمت على جدرانها صوراً وكم كسرت على أدراجها لعبا فيعود بي شريط ذكرياتي إلى تذكر بعض المعلمين فيها، كالأستاذ محمد عثمان مدرس الرياضيات الذي كان يحضر للمدرسة على «دباب « إلى المدرسة ويقوم بربطه إلى شجرة تقف جانب باب المدرسة، وبعد أن امتلك سيارة، كان يصفها بجانب جدار المدرسة ويضع على الزجاج الأمامي والخلفي، لوحين «إبلاكاش» مربوطين بخيط حتى لا يقعا، لحمايتها من الشمس، ومن معلميها الأستاذ سليمان أبو أنيس مدرس الرياضة والذي كان يأخذنا إلى ساحة تبعد 50 مترا إلى شرق المدرسة لنلعب الكرة، وكان يقع في شمال الساحة صخور كبيرة، كنا نتسلقها وكأنها بمثابة مدرج للمعلب، وأحياناً يأخذنا إلى شارع صغير يقع في شمال المدرسة ليدربنا على المشية العسكرية أو الكشفية، كذلك من المعلمين الأستاذ رجاء مدرس العربي، والأستاذ راتب ومن الوطنيين كان الأستاذ أحمد عون، والأستاذ أحمد مريع، وكان يدير المدرسة الأستاذ علي العظيمان، ويساعده الأستاذ سعد بن سلمان، ومن ذكرياتي التي أحتفظ بها عن المدرسة، الفناء الرملي، وملحق المدرسة والذي يقع شمالها، ولم يكن لدينا مقصف ثابت، وإنما كان هناك باعة جائلون من الطلاب يحملون «صواني الكيك والبسبوسة» إلا أنني كنت أذهب لشراء «تميس» من محل يجاور المدرسة يقع شمال مسجد النملة، فأشتري نصف (تميسه) بأربعة قروش، وأذهب إلى «دكان « العم محمد بن إبراهيم، وكانت تساعده في البيع، زوجه أم إبراهيم -رحمة الله عليهما-، لأشتري»حلاوى طحينية» بأربعة قروش ألف بها «التميسة» ثم ألتهمها كانت تلك فسحتي آنذاك، أما فصولنا الدراسية فأتذكر كنا نفترش الأرض «حنابل « في الصفين الأول والثاني، ثم جلسنا على الكراسي والطاولات المشتركة، ثلاثة طلاب على الطاولة الواحدة، وكان يشاركني طاولتي الأستاذ «إبراهيم شمسية، وكيل مدرسة حالياً» «والأستاذ عبدالله معدي، مشرف تربوي» سابق ترك العمل مبكراً. وإن أختم مقالتي، فدعوني أروي عليكم باختصار طرفة لا تنسى تفاصيلها، حينما جلبنا طلبات صناعة مربى التفاح في مادة العلوم «3 كيلو تفاح و1كيلو سكر «وأحضر كل زميل «برطمانة « من المنزل وهي عبارة عن زجاجة لحفظ المربى بعد إعداده، وبعد استغراقنا لزمن حصة كاملة في صناعة المربى، قام المعلم بصبه ساخناً في البرطمانات ثم صفها على مجموعة الطاولات، ليبدأ عرضها لمن أراد الشراء، ولا أعلم إن كنا نملك قيمة شرائها آنذاك، يومها حدث ما لم يكن في حسبان الجميع، فأحد الزملاء «مسعود الغامدي» أراد الذهاب لدورة المياه - أجلكم الله - وبينما هو يهم بالخروج، كان عليه تخطى الطاولات بصعودها، فما كان منه إلا أن ركل بقدمه «الغليظة «أحد البرطمانات دون عمد، فطيره بعيداً، ثم وقعت القارورة على الأرض وقد تفتت، وتناثر منها المربى الطازج!! على أرضية الفصل «الإسمنتية « فما كان من المعلم إلا أن وقف صارخاً، وقد استشاط غضباً، وقرر معاقبته إلا أن توسلاته ونحن معه نتوسل، حولت العقاب الجسدي إلى غرامة مالية، وأذكر أن أحضر في اليوم التالي ريالين، ولا أدري ماذا كان مصير البرطمانات الأخرى، إلا أن آخر ما أتذكره أن حملناها إلى غرفة العلوم، سقى الله تلك الأيام والتي لم يعد لنا سوى تذكرها وأنا مع القائل: ياقلب ويحك لا سلمى بذي سلمى ولا الزمان الذي قد فات يرتجع