أخي الفاضل خالد، ابتُليتُ ببيئة فضولية كثيرة الأسئلة شديدة الحرص على تتبع أخباري والاستغراق في تفاصيل حياتي بأساليب أقل ما توصف بأنها سقيمة، فدلني على طريقة تخلصني من أسئلة هؤلاء المحرجة.. ولكِ سائلتي الفاضلة الرد: للأسف، الكثير ممن يعيشون في مجتمعنا في قمة الفضول والتطفل، ولديهم هوس جارف لمعرفة تفاصيل حياة الآخرين واقتحام خصوصياتهم، مولعون باكتناه الأمور واستشفاف الضمائر، وهم شريحة من البشر هجرت همومها وطلقت اهتماماتها، قضت جُلّ وقتها وأفنت معظم جهدها في تتبع أنفاس الآخرين ومعرفة أحوالهم: أين سيذهبون؟ ومن أين أتوا؟ من سيتزوج ولدهم؟ وهل حملت ابنتهم؟.. لماذا طُلّقت عروسهم؟ ماذا أكلوا؟ ومن دعوا؟.. مسلسل لا ينقضي من الأسئلة السامجة المؤذية. قدرات ضُيِّعت فيما لا يفيد، وتفكير صرف في فضول الاهتمام، ووقت ثمين ضاع سدى.. لا يغمض لهم جفن ولا يزورهم حلم ولا يعانقون وسائد حتى يقتحموا خصوصيات الآخرين ويسطوا على أسرارهم!! ومن البليّة عذل من لا يرعوي.. عن جهلِه وخطاب من لا يفهمِ والعجيب أن هؤلاء عندهم إقدام عنتري وهوس مشتعل نحو معرفة شؤون الآخرين، أما هم فعلى حياتهم حواجز منيعة وسدود مُحْكمة، أسرار في أسرار، ولو كان أحدهم يملك أن يخفي اسمه لفعل!! فقد لا تعلم عن زواجه حتى ينجب، وقد يسافر شهوراً ولا يُخبر أحداً!! فأين هؤلاء من قول المولى سبحانه {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ}، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه..»، إضافة إلى اهتزاز صورهم أمام الناس، وعدم تقديرهم واستثقالهم. والتعامل مع هؤلاء يحتاج إلى آلية، وهذه بعض الوسائل المجربَّة لكبح جماح هؤلاء الفضوليين: 1- تأكد تماماً أن لك مطلق الحرية وكامل الحق عندما يقتحم محيطك الحيوي فضولي أن تقول له «عفواً، هذا أمر خاص ولا أرغب أن أطلع أحداً عليه».. كُن صريحاً وواضحاً، وقُلْ عندما لا تريد أن تجيب: بصراحة لا أحب أن أجيب عن سؤالك!، أو هذا شيء خاص وأحب أن أحتفظ بسريته.. أو عد إلى البداية واقلب المعادلة في وجهه بقولك: عفواً ليه السؤال؟ 2- استخدم معه أسلوب (التضييع)، السؤال شرق والإجابة غرب، إذا سألك عن الأسهم فتكلم عن العقار، إن سألك عن راتبك فردّ عليه بأن هناك برنامجًا ممتازًا سيُعرض اليوم في قناة الجزيرة (أسلوب التضييع يوجِّه رسالة بأن سؤالك مزعج فلو سمحت لا تسأل!). 3- عليك باستخدام الإجابات العامة، فلو سألك كم راتبك؟ قل له: إن الأهم في الحياة هي الصحة، والله لا يغيرها من نعمة. وأحياناً تحتاج إلى أن تتلاعب بهذا الفضولي (الملقوف) فعندما يسألك كم راتبك فقل له: قريباً من راتبك.. أو تجيبه بإجابة عامة لا تسمن ولا تُغني من جوع من قبيل مستورة ولله الحمد.. وإذا سألك بكم بعت أو بكم اشتريت فقل له: الأمور ولله الحمد جيدة.. أو البنك حرضني على سرية الأمر! ولو سُئلت عن عمرك فاستخدم الفكاهة، وقل توقف عمري عند 17 أو قُلْ أنا في عمر أصغر أخواتك أو بناتك! 4- استراتيجية (الأسطوانة المشروخة)، وقد جربها أحدهم عندما حشر صديق له نفسه يريد أن يعرف أسباب طلاقه، فبدأ بالتعبير عن ألمه لخبر الطلاق، ثم عقب بسؤال عن السبب، فرد عليه صديقه «ما حصل نصيب»! ويبدو أن الإجابة لم تشبع فضول صاحبنا؛ فحاول، ولكن بأسلوب أشد مكراً قائلاً: زواجك ما طوّل، وبصراحة استغربت.. فردَّ عليه صاحبه بجملة «ما حصل نصيب»، ولم ييأس هذا الفضولي وجرّب ثالثة بأسلوب آخر، وصديقه فقط يرد بجملة «ما حصل نصيب» حتى مل الفضولي وفرّ هارباً ولم يعقب!! والأسطوانة المشروخة تعني أن تُكرّر جملة واحدة بنبرة صوت هادئة عند تكرار السؤال.. وفَّقك ربي وزادك حكمة وفهماً. شعاع: كل الناس سيموتون، لكن ليس كل الناس أحياء!