تجاهل كل ما من شأنه أن يستفزك بأسئلته نحن لسنا وحدنا، نعيش وسط الناس ويعيشون معنا يروننا ونراهم، يعرفون عنا ونعرف عنهم، نتصادق مع بعضهم ونكتفي بالمعرفة العامة عن بعضهم، وكل هذا يجري في اطار طبيعي من التعارف الذي خلقنا الله شعوباً وقبائل من أجله، لكنْ ثمة أناس لا يكتفون بالتعارف العادي ولا تشبع نهمهم أو فضولهم معرفة عابرة للاحوال ولا يكتفون من الاخبار بعناوينها، فضوليون يرغبون في معرفة كل التفاصيل بارعون في القاء الاسئلة ولديهم طرق كثيرة لاقتناص المعلومة واستكشاف المخبوء، "ملاقيف" بلهجتنا المحلية، يستترون خلف الصداقة أو الجيرة أو القرابة ليقحموا أنفسهم في التفاصيل، ولا يتورعون عن الالحاح في طلب كل التفاصيل وهم لا يكتفون بالمعرفة التي سعوا لها بكل الطرق بل يستغلون ما عرفوا لتأجيج الفتن وخلق الفجوات وإشعال المشاكل. أسئلة كثيرة أم سعد الدين سيدة في الأربعين من عمرها خبيرة في معرفة "الملاقيف" وايقافهم عند حدهم كما تقول، تتباهى بخبرتها هذه وتحكي لنا من اين جاءتها الخبرة قائلة: تزوجت في عمر صغير كنت ابنة ستة عشر عاما ولم اكن اعرف عن طبائع البشر الشيء الكثير غادرت مع زوجي مدينة الرياض حيث يعيش اهلي وذهبت الى الجنوب وهناك غمرني الناس بلطفهم وتوددت لي جاراتي واعتبرن انفسهن امهات او اخوات لي بسبب ابتعادي عن اهلي، والحق كن نعم الاخوات الى ان سكنت بجواري سيدة عربية كانت لطيفة جدا وكثيرة الزيارة وكثيرة الاسئلة وكنت خجولة ولا املك صدها، فقد كانت تكبرني وكانت تأتي لزيارتي منذ ان يغادر زوجي للعمل ولا تتركني حتى يعود ولا اعرف كيف كانت تعرف بخروجه مساء، فتأتي لي من فورها تسأل عن كل شيء ماذا قلنا؟ ماذا اكلنا؟ ماذا احضر معه؟ وماذا ترك لي؟ هل هاتفني أهلي؟ هل سيأتون؟ ما ثمن أسورتي؟ من اين احضرت قماش فستاني؟ وكنت اجيب عن كل اسئلتها بسذاجة كأنني امام محقق لا استطيع ان اتهرب من سؤال امامه. درس مفيد وأوضحت أم سعد الدين أن هذه السيدة استطاعت ان تعرف كافة تفاصيل حياتها والاهم انها استطاعت ان تستفيد من هذه التفاصيل في رمي شباكها حول زوجها حتى يتزوج ابنتها التي كانت في مثل عمرها تقريبا لكن اكثر ذكاء مني، مضيفة فوجئت بعد اقل من سنة على زواجي بزواج زوجي من اخرى وهذا الامر لم اقبله ولم استطع ان اتعايش معه وتطلقت بعد شهور من المشاكل المستمرة تعلمت خلالها الدرس جيداً، وحين تزوجت من ابي سعد -زوجي الحالي- كان اول درس عندي هو الاّ اعطي لاحد اسرار حياتي وان اكون حازمة جدا مع من يدخل في تفاصيل حياتي دون لزوم، بل وصرت اعرف "الملقوفة" من الجلسة الاولى فاطردها من حياتي فوراً، وأيضا اقدم النصح لصديقاتي في طبائع جيرانهم حتى لا يقعوا في الورطة التي سبق ان وقعت بها. لقافة سلمية اللقافة صفة بغيضة للغاية حتى وإن لم يكن من ورائها هدف خبيث، بهذه العبارة تفتتح زينة حمد حديثها معنا قائلة: في العمل لدينا زميلة ملقوفة يقتلها الفضول لا ترتاح الا اذا عرفت كل شيء عن أي شيء، كثيرة الحركة كثيرة السؤال متلونة وبألف وجه، مضيفة انها تبدي التعاطف مع كل واحدة حتى تحصل على كافة المعلومات ثم تذهب لخصمها بتعاطف آخر فتقلب الوجه على الاولى وتبدي التعاطف مع الثانية، والغريب انها صديقة للجميع لا احد يبعدها لانها لا تبدي خلافا مع احد ولا تتوقف عن مجاملة الجميع، كما يقولون تمسك العصا من المنتصف لا يستطيع أي شخص ان يمسك عليها خطأ رغم ان الجميع يعرف انها ملقوفة الا اننا جميعا نتعامل مع لقافتها السلمية بنوع من الاستمتاع، فاحياناً يحتاج الفرد منا الى من يسأله عن ادق التفاصيل ويبدي اهتماما به وبأحواله كأنها طبيب نفسي نفرغ لديها شحنة الغضب من الزوج او الاولاد او المديرة او الزميلات او حتى غلاء الاسعار، مؤكدة نعتبرها وعاء نصب فيه همومنا وطالما هي التي تسعى وراء المعرفة فلتعرف المهم الا تضايقنا بمعرفتها هذه. اهتمام أو فضول ولا تستطيع الشابة تغريد العتيبي ان تفرق بين الاهتمام والفضول لدى من تعرفهم في دائرة العمل او الاهل او الاقارب والجيران تقول: يمكن ان نعتبر كل انسان في حياتنا فضوليا ويمكن ان نعتبره مهتما وفقا لنظرتنا للشخص وقربه منا مثلا الأم حين تسأل ابنتها عن تفاصيل حياتها مع زوجها هذا اهتمام ويصب في مصلحة ابنتها والصديقة حين تتواصل مع صديقتها لتسألها عما جرى في مشكلتها الاخيرة مع زوجها هي مهتمة وليست فضولية، مردفة بالنسبة لي لا اعتبره فضولا ان تبدأ سيدة لا اعرفها في غرفة الانتظار عند الطبيب حوارا معي تسألني فيه عن اشياء لا تعنيها هل انت متزوجة هل لديك اطفال هل ولادتك كانت طبيعية مما تشكين وهل يغطي تأمينك الطبي علاجك وغيرها من اسئلة تدور حياتنا دائما حولها، وانا ان كنت لا استطيع التفريق بين الاهتمام المحبب وبين الفضول واللقافة إلاّ انني لدي احساس فطري يجعلني في لحظة ما اتوقف عن اعطاء اجابات محددة وأكتفي بالاجابات العامة من قبيل الحمد لله، انا بخير، كل شيء على ما يرام، شكرا لسؤالك وأصمت فتشعر محدثتي انني لا انتوي الدخول في التفاصيل فتسكت، اعتقد انها طبيعة بشرية الفضول اعني فكيف سيتسنى لي ان اعرف جارتي او صديقتي او ابنتي او حتى زوجي دون ان اطرح الاسئلة ولكن الفواصل التي ينبغي الوقوف عندها هي فواصل مبهمة ونحن اعني كل فرد على حدة هو من يحددها وفقا لمزاجه ورضاه عن محدثه. كيفية التعامل ينصح خبراء الاجتماع باتباع عدد من الوسائل التي يمكن من خلالها تجنب الفضوليين وتجنيبهم ومنها: خيار الصراحة وهو ان تواجه محدثك مباشرة بعبارة: "لا ارغب في الاجابة عن سؤالك" أو "هذا امر يخصني وحدي واحب ان احتفظ به"، او "عفوا لماذا تسأل"، التي من شأنها ايقاف السائل ولجمه تماما، وفي الخيار الثاني ينصح الخبراء باستخدم الحس الفكاهي وتحويل الحوار الى مزاح من مثل كم راتبك فتكون الاجابة بالقدر الذي يسمح لي بشراء طعامي، او هو قريب من راتبك صحيح كم راتبك انت؟ وما إلى ذلك، ثم يأتي الخيار الثالث الذي بقدر سلبيته يعد طريقة ناجعة جدا في مواجهة الفضوليين وهو خيار التجاهل حيث يقوم الشخص بتجاهل السؤال الذي يضايقه ولا يريد الاجابة عنه كأنه لم يسمعه وحين يبادر السائل باعادة السؤال ينظر في عينه ليوصل له رسالة انني سمعت السؤال ثم يستمر في التجاهل ويتحدث في موضوع آخر بود ولطف ودون افتعال لابد عندئذ ان الرسالة قد وصلت واضحة جلية لمن يسأل وايضا لكل من يحضر الجلسة بأن هذه المنطقة خاصة وممنوع الاقتراب منها. مزايا الفضول أما أطرف ما نشر عن الفضول واللقافة فهو ما ورد في صحيفة أميركية "هافينغنتون بوست" وجدت خمسة أسباب تجعل الفضول صفة مطلوبة ومفيدة والخمسة اسباب هي ان الفضول يقوي العلاقات بسب الاهتمام بما يقوله ويفعله الآخرون، والسبب الثاني هو حماية الدماغ حيث يؤكد البروفيسور ديفيد كنوبمان -جراح الأعصاب في ولاية مينيسوتا الأميركية- أن التفكير الدائم والبحث والتقصي وإبقاء الدماغ مشغولاً أفضل وسيلة لتجنب أمراض الشيخوخة والزهايمر، اما السبب الثالث لفوائد الفضول فهو التغلب على التوتر باستكشاف الطرف الآخر، أو ما ينطوي عليه العمل من مهام وميزات، ثم كان السبب الرابع هو لمجرد الشعور بالسعادة حيث افترضت إحدى النظريات المتعلقة بالسعادة، أن الإنسان يطور في سن مبكرة مفهوماً معيناً للسعادة، ويلعب الفضول دوراً هاماً في دفع الإنسان إلى المغامرة وكسر روتين الحياة اليومية وصولاً إلى السعادة المنشودة، واخيرا تقدم الصحيفة في السبب الخامس لمزايا الفضول انه يساعد على التعلم حيث وجدت دراسة نشرت في دورية نيورون الأميركية، أن تعلم الأشياء غير المثيرة للاهتمام، يصبح أكثر سهولة عند استثارة الفضول. أماكن الانتظار غالباً هي المواقع التي نتعرض فيها لأسئلة «الملاقيف»