البرنامج الثقافي في الجنادرية كان رائعًا وإن فاتني حضور فعاليات الأيام الأولى بدءًا بالافتتاح والأوبريت ثم السلام على خادم الحرمين الشريفين, فقد وصلتُ الرياض ليلة الأحد متأخرة لأسباب لوجستية خارج نطاق تحكمي. ولم ألتق بصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله والشيخ عبد المحسن التويجري لأشكر دعوتهما لي شخصيًا ولكن ذلك لم يحدث ويظل الامتنان في القلب لاختياري للتكريم. كان بودي أن أرى مستجدات موقع الجنادرية في دورتها السادسة والعشرين وأن أحضر كل ندوات البرنامج الثقافي تحت محور: «المملكة والعالم.. رؤية استراتيجية للمستقبل», ولم أحرم من بعضها فحضرت الندوتين الأوليين وهما: «العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للمملكة» التي أدارها الدكتور عبد العزيز العويشق وشارك فيها صاحب السمو الأمير د. تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف, والدكتور محمد المسفر من قطر والدكتور صالح الخثلان. أما الندوة الثانية فكانت تحديات الأمن الاستراتيجي الإقليمي والدولي بإدارة الدكتور أسعد الشملان ومشاركة اللواء محمد فيصل أبو ساق والعميد إلياس حنا من لبنان والدكتور جاسم تقي من الباكستان والدكتورة وفاء الرشيد، وكان الموضوع مثيرًا لاختلاف وجهات النظر واستوجب نقاشًا متعدد زوايا النظر. وفاتتني مع الأسف ندوتين مهمتين: «المملكة والقوة الناعمة» و»الاقتصاد ومستقبل الطاقة». وحضرت آخر ندوتين في برنامج النشاط الثقافي في محور المملكة والعالم, رؤية استراتيجية للمستقبل, كان عنوان الأولى: «المواطنة والانتماء في الدولة الحديثة», بإدارة الإعلامية ميساء الخواجة ومشاركة الشيخ حسين البيات والأستاذ عبدالله فدعق والدكتورة فوزية البكر والدكتورة حسناء القنيعير والدكتور عبدالله البريدي، ثم الندوة الأخيرة بعنوان: «التحديات الثقافية» التي رعاها الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام وأدارها الأستاذ محمد رضا نصر الله بمشاركة الدكتور عبدالله المناع والدكتورة عزيزة المانع والدكتورة هتون الفاسي والدكتور خالد الفرم. كانت ندوات وحوارات ثرية بفرسانها وفارساتها وحضورها. وطبعًا في أجواء وتداعيات ربيع العواصف العربية كان للحوار داخل وخارج الندوات نكهة مميزة، حيث التنظير في القاعة ومحاولة الفهم خارجها يتماشى مع الأجواء العاصفة التي ميزت الشهرين الماضيين في الحزام العربي وما زال جل احتداماتها قائمًا. ونتائج الأطروحات والبحوث والحوارات حولها تتبلور في ضرورة الوصول إلى استراتيجية واضحة وفاعلة لمواجهة تحديات المستقبل وتحقيق حلم المواطن وضمان استقرار الوطن. هل مثل هذه الرغبة حلم صعب التحقيق؟ هل الحلم العربي يظل مجرد أغنيات مشتركة يؤديها محترفون؟ هل يمكن أن تجسد قصيدة شاعر طموح حلم المواطن أو هموم الحكومات؟ هل المواطنة للوطن تتعارض مع الانتماء للأمة؟ هل المواطنة حقوق أم فقط مسؤوليات؟ هل الانتماء للوطن الذي نسكنه أم للوطن الذي يسكننا بقيمه المجتمعية؟ هل تفاصيل حلم الأمن والاستقرار بالنسبة للمواطن تختلف عن حلم الأمن والاستقرار بالنسبة للحاكم؟ وكان تعليقي أو مداخلتي القصيرة أن الحقيقة تتضح على أرض الواقع وليس في التنظير. أن المواطنة حقوق، وأن الانتماء شعور. وأن ضبابية تساؤلات الفرق بين المواطنة والانتماء تتضح في الرد على سؤال بسيط: إلى أي سفارة تتجه للمساعدة والحماية رسميًا في حال تعرضت لحادث اعتداء أو اتهمت بالاعتداء على غيرك وأنت مسافر؟ هناك عادة سفارة واحدة مسؤولة عنك هي سفارة البلد التي تحمل أوراقها الثبوتية. أما الجواب على سؤال الانتماء فيأتي في الرد على: أين تشعر بالرضى عن علاقتك بالمجتمع والنظام الرسمي مفضلاً إياه كمحيط يؤطر وجودك؟ وقد تحمل أو لا تكون تحمل أوراقًا ثبوتية تربطك بهذا الموقع.