الجزيرة الثقافية - سعيد الدحية الزهراني يأخذنا مهرجاننا الواجهة «الجنادرية» في دورته الحالية 26.. إلى أحد أهم زوايا منظومة الفعل الثقافي والمعرفي لدينا.. وهي بنية دائرة الفكر الإسلامي السليم.. عندما تكرم الأستاذ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان.. عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منذ نحو تسعة عشر عاماً.. تكريم المفكر الإسلامي أبو سليمان لا يأخذنا هذه المرة إلى جهات الجغرافيا فضلاً عن الأسماء بقدر ما يشير إلى النوع الفكري والفلسفي في ذات الحقل الذي اشتغل به وفيه الدكتور أبو سليمان.. وهنا قيمة التكريم الحقيقي عندما تنصرف بالتالي إلى مجال بأكمله عبر أحد رموزه.. هذه القيمة كما يظهر تتمثل في قيمة الطرح من منظور فقهي إسلامي صحيح وسليم ومتسامح لدى أبو سليمان.. بعيداً عن تحميل النصوص والمقاصد ما لا تحتمل.. وهو الأمر الذي قاد سابقين ومعاصرين وربما سيقود لاحقين.. إلى غياهب التصورات ومزالق الأحكام.. ما أدى بالتالي إلى خلق واقع مأزوم ومليء بالكثير من الصدامات والإشكالات.. سمة الفهم السليم لدى أبو سليمان وهي لدى آخرين ملمح تناقض تتمثل في هيئته التي يظهر فيها وجهه الباسم البشوش «حليقاً».. فيما هو يجلس إلى ذات الحلقة التي يأتي على أحد طرفيها العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز وعلى الطرف الآخر العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله وبقية أعضاء هيئة كبار العلماء.. هذا المشهد البليغ يبرهن بما لا يدع مجالاً للشك.. أن الفقه مساحة لا يحدها أفق.. عندما يأتي هذا العالم من أطهر بقاع الله وأحبها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.. دارساً لأصول الفقه ومقارناته بهذه السمة السامية اختلافاً وسعة وسماحة.. الملمح الآخر يجسده موقف المفكر الإسلامي أبو سليمان من الآثار النبوية الكريمة التي حاولت بعض الرؤى المتشددة طمسها وإذابتها بذريعة الخوف على عقائد الناس.. عندما قال ذات تكريم مستحق أقامه له نادي مكةالمكرمة الأدبي: «من العيب والعار ألا نحافظ على الأماكن التي أقام فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم» معززاً هذا الاتجاه الأصيل بالقول: «إن الأماكن المأثورة المتواترة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة بإيحاءاتها الروحية والإيمانية تمثل تاريخا حيا ينبغي أن تظهر بالمظهر اللائق بمكانتها إسلاميا وتاريخيا، وتفعيل النشاط العلمي والدعوي من داخل أورقتها، بحيث تكون معالم إسلامية حضارية لقاصديها من العلماء والأدباء والمفكرين وطلاب العلم والزائرين والقادمين من جميع أرجاء العالم الإسلامي، وهو ما يتناسب مع مكانتها السامية في تاريخ الإسلام، وقد زكى هذا الرأي سابقا كبار العلماء السلفيين في هذه البلاد وغيرهم».. وفوق هذا وذاك تأتي تلقائية هذا العالم الإنسان.. خلقاً وتواضعاً وقرباً من الناس.. بلغة اللين والفهم والإفهام لا صراخ التشديد والتغليظ والنهر ..لتبقى مسيرة هذا العالم المستنير المنير.. علماً وعملاً.. رؤية ورأياً.. محل انحناءة كاملة تقديراً وعرفاً لمنجزه الفكري الحضاري المتعدد..