أبت الشجرة الوارفة الظلال العلم أبو سليمان ، إلا أن تخرج ثمارها اليانعة (الأماكن المأثورة المتواترة في مكةالمكرمة ) إنها هبة وهدية لطلابه ومرتادي المعرفة بنادي مكةالمكرمة الأدبي كانت المحاضرة في أكاديمية مثمنة ، دون أدنى محاباة للعواطف ، أداها بروح علمية هادئة في زينتها ، على استحياء اعتاده وتواضع علمي البسها من الحلل أغلاها في ثوب العلماء العارفين ، فخرجت المحاضرة في زينة حسناء فاتنة تسر الناظرين ، وبمسمعٍ وإصغاء من كوكبة العلماء المكيين والمفكرين ، تجلت كلمات “أبى سليمان” الرائعة لمحبيه وطلابه ، ولا يسعني كمكي معتز بمكةالمكرمة وعلمائها وآثارها إلا أن أبارك “لبلادنا” عامة ولأهل مكة خاصة بهذا الرمز العلمي العملاق والرقم الفذ الفريد على قائمة علمائها ومفكريها الطويلة. لقد تفضل علينا مشكوراً فبين ، في إشارات وإضاءات، بين خلالها “ ثلاثة وخمسين” من الأماكن المأثورة المتواترة في مكةالمكرمة ، عرضها لمريديها في طبق من ذهب مدللة ومعللة بالشواهد والأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة في توثيق من نخب العلماء بكل المقاييس المقدرة في الأصول والفروع ، وكل لبيب بالإشارة يفهم. جاءت المحاضرة تعالج صراعات قاضية على الأماكن والبقاع والآثار ، بحجة حماية العقيدة والتوحيد ، وقد كان طرح “الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان” من منطلق حماية العقيدة والبعد عن الخرافة والغلو ، سارداً فقه العلماء الكبار من التابعين “كعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه” في أمره ببناء المساجد على الأماكن التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وأماكن إجابة الدعاء ، متعرضاً حفظه الله لها جملة في (53) موطناً على خلاف في بعضها وإجماعٍ في معظمها مثل (الكعبة وعند الحجر وعند الركن وخلف المقام وبئر زمزم والصفا والمروة .. الخ ). ولقد تجلى “أبو سليمان” واستحق له أن يتجلي ، فكل ما ذكره كان من المحاسن ، فقد عالج المهم بل الهام والضروري في مسألة الأماكن المأثورة وبنظرة علمية معتدلة ومتوارثة من كبار علماء الأمة الإسلامية بصفة عامة وبخاصة من علماء مكة المشهود لهم بالعناية والدراية والرواية والنقل المتواتر ، والثابت من الدليل. ناقلاً ما تعرضت له آثار الحرمين وما طرأ عليها خلال عصور الخلافة الإسلامية ، فتعرض لإدخال “الوليد بن عبدالملك” (لحجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده صلى الله عليه وسلم) ، ثم موقف الملك عبدالعزيز المقدر لمكان مولده صلى الله عليه وسلم بالحماية ، وما دونه الإمام البخاري في صحيحه عن “الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم”. لقد لّفَّ المحاضرة الصدق العلمي الاستدلالي ، والطهر الروحي وغلفها العفاف البعيد عن المداهنة ، حاملاً وضوح الهدف معززاً الغرض العلمي الشريف [الارتقاء بهذه بالأماكن المأثورة المتواترة في المملكة العربية السعودية إلى العالمية الحضارية ]. لقد كانت كلمات محاضرة “أبى سليمان” صريحةً ، تدفعها الأمانة ويؤكدها التفاني في البناء الفكري ، وتقودها الرغبة في المحافظة على مستقبل “عقيدة أبنائنا” ، فإن الناشئة إذا شاهدت مثلاً (مكان مولده صلى الله عليه وسلم الشريف) ذلك الصرح المهيب في مكةالمكرمة شامخاً منذ (ولادته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين)، قال ابن القيم: (لا خلاف أنه ولد صلى الله عليه وسلم بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل) وليلة ولادته صلى الله عليه وسلم تزلزلت الكعبة ولم تسكن ثلاثة أيام ولياليهن كما روت كتب السيرة ، وكان ذلك أول علامة رأت قريش من (مولد النبي صلى الله عليه وسلم). فحَرِّيٌ “بالناشئة” أن شاهدوا الموضع الذي( ولد فيه صلى الله عليه وسلم) قبل ألف ونيف سنة ، لا شك أنهم يزدادون “يقيناً برسالته صلى الله عليه وسلم “، وإن شاهد “الناشئة” مثلاً “حفرة غزوة الخندق” التي وقعت في شوال “سنة خمس الهجرة” ، ذلك الموقع الذي كان “سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يعسكرون فيه أثناء معركة الخندق”، ورأى وشاهد “الناشئة” مكان المشركين من الجهة المواجهة له يعسكرون وهزمهم الله بالريح والخوف ، إن شاهد “الناشئة” تأكد لهم حدوث “غزوة الأحزاب”، فزاد يقينهم وتثبتت أهداب الإيمان في نفوسهم. وهكذا علل وحلل وأفاد”أبو سليمان”من محاضرته ، ونحن مفكرو مكة ومثقفوها وعلماؤها لا نستغرب حقيقةً من”أبى سليمان”هذه المقترحات والنتائج حول”آثار الحرمين” فهو العقلية المتوازنة والركن بين علماء الأمة الإسلامية ، ومنذ أن لمع برقه العلمي نراه منادياً مجتهداً ، في كتابته بما نادي به سلف الأمة من الاعتدال بشأن “الآثار في مكة والمدنية” ، وهو الآن الأرقى والأكثر تحليلاً واستنتاجاً من غيره من العلماء ، وفي عزيمةٍ ماضيةً قدماً نحو ما من شأنه الارتقاء بهذا الصرح المهيب [الأماكن المأثورة المتواترة في مكةالمكرمة] مذكراً بأن “ولاة أمر المملكة”، كما عودونا من لدن الملك عبدالعزيز مشاورة العلماء والأخذ بفتواهم الشرعية ، فلهم منا كل التقدير والاحترام وكل عام والمزيد من التقدم والرقي “لبلادنا الحبيبة” والمزيد من العطاء العلمي والفكري من “أستاذنا أبى سليمان”. ولا يفوتني هنا أن أهمس في أذن إدارة نادي مكة الأدبي قائلاً مشكورين ، فاحتفاء النادي “بالأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان” هو الواجب ، ولرئيس النادي الزميل الدكتور سهيل قاضي كل الشكر والتقدير لهذا الطرح الأكاديمي البارع ، باهتمام النادي بالعلماء والأدباء والرواد في مدينة مكةالمكرمة ، ولا تبجيل ولا تكرم اكبر مما صنع النادي بمكة ، لمثل هؤلاء العمالقة الذين أثروا الساحة العلمية والثقافية “السعودية” بالعديد من الإنجازات الفكرية والعلمية ، فلا غرابة من الاحتفاء بمنجزات المتميزين وإبرازها للناشئة ، رغبة في تمكينهم من الثقة بتراثهم الإيماني ، ونوصي باستمرار النادي في سياسته الرامية إلى تكريم المتميزين والرواد في كافة المجالات. والله من وراء القصد ،،، # كلية التربية – جامعة أم القرى