كانت سرعة سيارته قد تجاوزت 120 كيلو متر منذ أن ورد نبأ اختفاء أخيه الأصغر الذي يفترض أن يكون قد وصل إلى منزل جدهما في مدينة أبها وهو يقود السيارة بتلك السرعة الجنونية، كان الطريق مظلماً بين جبال الجزء الجنوبي من المملكة، يكاد يخلو من السيارات وكأنه يسير في نفق رعب يتوقع أن يخرج شبح في أي لحظة لكنه لم يبالِ أو يهتم، عيناه البنيتان ثابتتان ومصرتان على بلوغ هدفهما، وعروق وجهه الأسمر مشدودة بدت بارزة والعرق يتصبب من جبينه وشعره الأسود الكثيف مبعثر على وجهه وكتفيه وبينما هو على حالته.. فجأة ودون سابق إنذار خرج أمامه رجل مما اضطره إلى ضغط المكابح ليتوقف كان الطريق ضيقا ومسافات الجبل لا تمنع السيارة من السقوط ولكنه استطاع السيطرة على الموقف وتفادى الخطر. توقف ولكن أين الرجل ..؟! ارتعب ونزل مسرعاً من السيارة لتفقد المكان نظر أسفل السيارة فلم يجد شيئاً..، تلفت حوله يمينا وشمالاً، لكنه لم يحظ بإجابة شافية بات يتساءل : «ماذا حصل للرجل وأين اختفى»؟ وجه نظره إلى مسافة الجبل :» أيعقل أن يكون قد خاف من السيارة وجرى باتجاه المنحدر دون أن يرى الهاوية»؟! شد قبضة يده بقوه وتسارع نبض قلبه ..تمتم: «هل حدث لشقيقي مازن الأمر نفسه؟! وبات يتخيل مشهد مرور سيارة مازن على نفس هذا الطريق ثم يخرج أمامه الرجل فينحرف نحو الهاوية.. هز رأسه بعنف لطرد هذه الفكرة من مخيلته.. فجأة.. تقدم إلى الأمام مرتعبا وجهه أصبح أصفراً من شدة الهلع وعيناه تكادان تطيران من مكانهما.. صوت نبضات قلبه أصبح أقوى من صوت الطبول فقد لامس كتفيه جسم غريب التفت فإذا بلون عينين تبيضان قال محدثاً نفسه: «إنه مجرد كابوس وسوف استيقظ منه» كان الرجل يضع على رأسه قبعة تشبه إلى حد كبير قبعة الفزاعة ويلبس ملابس سوداء طويلة ووجهه الأسود بلا ملامح كأنه يلبس قناعا. أمسك بيده وقال: - من أنت؟! نطق بحروف متقطعة: - ف ي ص ل. أمسك الغريب بيد فيصل الذي ارتفعت حرارة جسده وعضلات بطنه تتصارع كما تتصارع ضربات قلب الغزلان عندما يزأر الأسد.، قال الغريب: - تعال معي: سآخذك إلى مازن. شعر فيصل كأن جليداً انهار عليه. - من أنت؟! وكيف تعرف اسم شقيقي؟ - دعنا لا نضيع الوقت وهيا بنا لنعثر على شقيقك. اضطر فيصل أن يخضع لأمر الغريب. في صباح اليوم التالي في مدينة الطائف تحديدا في منزل فيصل كانت والدته جالسة في غرفة المعيشة تأكل أظافرها.. تارة تنظر إلى الساعة وتارة أخرى تنظر إلى الهاتف.. ظلت على هذه الحالة حتى سمعت صوت باب المنزل يفتح نهضت وأسرعت إلى الخارج منادية : - فيصل. لكنها توقفت عندما رأته، ابتسمت ابتسامة مشرقة. - مازن حبيبي الصغير. أسرعت إليه وضمته قائلة : - أين كنت كدت أفقد عقلي من أجلك . - لقد حصل حادث لصديقي فذهبت لزيارته. - ولِمَ لم تبلغنا. - آسف نفذت بطارية هاتفي.. «بالمناسبة أين فيصل..؟» أصيبت بصعقة كادت توقف عضلات قلبها فإن كان مازن قد عاد لما لم يتصل فيصل حتى الآن لا سيما أنه غائب عن المنزل منذ يومين.. خارت قواها وجلست على الأرض مسودة الوجه وكلمة مازن تتردد في أذنيها..» أين فيصل؟؟ أين فيصل؟؟ أين ....!! وفي الطريق السريع على جبال جنوب المملكة عثرت الشرطة على سيارة فيصل ولكنهم لم يجدوا له أي أثر.