تعد المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي قدمت منحًا دراسيةً مجانيةً لأبناء الأمة الإسلامية للدراسة في الكليات والمعاهد العلمية التابعة للجامعات السعودية، حيث استقطبت هذه الجامعات على مدار عقود من الزمن أبناء المسلمين من مختلف الأقطار للدراسة فيها في مختلف العلوم الشرعية والإسلامية ونحوها من العلوم حتى أضحى المتخرجون من هذه الجامعات من أبناء المسلمين يمثلون سنويًا نسبة كبيرة مقارنة بالمتخرجين من أبناء المملكة.. في ظل هذه الإعداد الكبيرة من الشباب الإسلامي الذي تخرجوا في الجامعات السعودية وفق منهجية علمية تقوم على الوسطية والاعتدال ومنهج السلف الصالح في طلب العلم، كيف يمكن أن نعزز وننشر وسطية الإسلام وعالميته وسماحته مع تبيان الرسالة الإسلامية المتوازنة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية تجاه الإسلام والمسلمين من خلال منابرها العلمية، وأعمالها المتعددة تجاه خدمة كتاب الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرة المسلمين ودعم قضاياهم.. مستفيدين من تلك المخرجات.. حول تلك القضية المهمة تحدث ل»الجزيرة» عدد من الأساتذة المختصين في الدراسات الإسلامية بجامعات المملكة.. فماذا قالوا؟! أبناء الأقليات المسلمة قال الدكتور عدنان حسن باحارث الاستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة: فقد ارتبطت نشأة المملكة العربية السعودية من أول أمرها، وعبر مراحلها الثلاث بالإسلام والدعوة إليه، فكان لزامًا على الدولة - من خلال بعض مؤسساتها المعنية - أن تولي هذه المهمة الدعوية الشريفة جلّ اهتمامها، وغاية طاقتها؛ فتبذل في سبيلها: المال، والوقت، والجهد. وقد كان من بين مناشط الدولة الدعوية فتح بعض الجامعات السعودية لنخب من أبناء المسلمين في العالم الإسلامي، إضافة إلى فتح معاهد علمية في أقطار متفرقة من الوطن الإسلامي الكبير، إلى جانب جهود معهد الأئمة والدعاة برابطة العالم الإسلامي، يتعلم فيها الشباب، وكثير من الفتيات معالم الدين الإسلامي، عقيدة وشريعة، على أيدٍ أمينة من علماء عاملين، ودعاة فاعلين. ومنذ سنوات مضت وهذه المؤسسات العلمية تخرج الدفعات من أبناء وبنات المسلمين، من عرب وعجم، وقد تسلحوا بسلاح العلم، وتأدبوا بأدب الشرع، مؤيدين بالكتاب والسنَّة، والفقه الواضح، والفهم الصحيح، حتى تحول كثير من هؤلاء الطلاب إلى مشاعل نور وهداية حين عادوا إلى ديارهم، فلا تكاد يخلو بلد إسلامي من أمثال هؤلاء، حتى إن الزائر لبعض تلك البلاد لا يخطئ نظره الأثر الطيب لهؤلاء المتخرجين على مناشط الدعوة في بلادهم. والواقع يشهد بسلامة توجه هؤلاء المتخرجين من المؤسسات السعودية، مما قد يسمهم به بعض الموتورين من التطرف أو الغلو، للنيل من بلاد الحرمين الشريفين وجهودها الدعوية، وإلصاق التهم بها. وهذا في الحقيقة يدعو المملكة إلى تعزيز مكانها في العالم من خلال الاستمرار في إعداد الدعاة، وصناعة الرجال الذين يحملون الدعوة الإسلامية بصفائها ونقائها، فيصلون بها إلى العالم أجمع، يدللون من خلالها على براءة المملكة من تهمة الإرهاب، التي اتخذها المبطلون شعارًا للنيل من الإسلام وأهله. إن التوسع في نشر القرآن الكريم وتفسيره المبسط، بترجماته المتعددة، مصحوبًا بنخبة مشروحة ومترجمة من السنَّة الصحيحة هو في الحقيقة من أعظم أساليب الدعوة في هذا العصر، ولاسيما إذا تنوعت وتعددت أساليب وطرق عرض هذه المواد الإسلامية، واستخدمت في نشرها الوسائل الإعلامية المتطورة، واستغلت فيها التقنية الحديثة، واستطعنا أن نصل بها إلى غالب شرائح العالم، في المدينة والقرية، والعاصمة والريف، فإن في هذا مصلحة كبيرة، تعود على البلاد والعباد، وأي مصلحة أعظم من هداية الناس إلى الدين الحق، وتبصيرهم بربهم جلّ وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقال: إننِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. بصمات في كل مكان ويؤكد الدكتور مانع بن محمد المانع الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بالرياض أن العمل الإسلامي وخدمة قضايا المسلمين من أولويات المملكة العربية السعودية، ولا يوجد بلد إسلامي أو غير إسلامي وإلا نجد لهذه البلاد الطيبة فيه مدرسة أو مركز إسلامي أو عمل إغاثي أو دور أيتام والمملكة لها جهود مشكورة في المنح الدراسية الجامعية لطلاب العالم الإسلامي وقد سافرت إلى بلاد عديدة وكثيرة من بلاد العالم وقد وجدت الطلاب المتخرجين من الجامعات السعودية قد تولوا المناصب الدعوية والتعليمية وقيادة الكليات أو الجامعات في بلادهم والجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة ثمرة من ثمرات هذه البلاد المباركة، حيث تقبل 80% من طلاب المنح 20% من السعوديين، يعودون إلى بلادهم على منهج صحيح وعقيدة سليمة وكذلك الجامعات الأخرى كجامعة الإمام وجامعة أم القرى والمعاهد في الخارج والداخل، مما جعل المملكة العربية السعودية رائدة في العمل الإسلامي والتعليمي على منهج صحيح ونهج قويم وصراط مستقيم يمثل الوسطية الإسلامية التي تقوم على حقيقة الإسلام وسماحته وسموه الذي هو وسيط بين الغالي والجافي، أن منهاج الجامعات السعودية يحمل الرسالة الإسلامية السوية المتوازنة التي تعبر عن نبل الإسلام وعالميته وصلاحيته لكل زمان ومكان، إنني أقول دائمًا وأبدًا لطلابي في الجامعة: إنكم في بلاد لا مثيل لها على وجه الأرض متميز في نظمه ومنهجه وطريقته وخدمته لقضايا المسلمين وشعاره وعدالته وطيبة أهله ومسابقتهم لأعمال الخير والبر والإحسان وتنافسهم في الخير وبناء المساجد وإطعام الطعام. ولقد تميَّزت بلادنا الغالية -حرسها الله- بخدمة كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال المنح الدراسية التي تزداد عامًا بعد عام التي عمت البلاد الإسلامية ومنها بلاد الأقليات الإسلامية، وأنا في الواقع الجامعي مرَّ علي طلاب كثيرون لا استطيع إحصاءهم ولما ذهبت إلى بلاد إسلامية وجدت بعضهم قد أسس مدرسة إسلامية أو مركزًا يحمل نفس المنهج الذي يدرس في بلادنا، بل بعضهم نقل طريقة ومقررات الجامعة هناك في بلاده، بل يدرس مادة التوحيد والحديث والتفسير والفرائض والفقه والأصول في بلاده على منهج صحيح بعيد عن التصوف وبعيد عن الغلو والتطرف والعقائد الباطلة، وهذه حسنه مباركة من حسنات هذه البلاد بلاد التوحيد ومهبط الوحي ومعقل الإسلام وبلد الحرمين الشريفين. الريادة في العمل ويؤكد د. المانع أن جهود المملكة العربية السعودية تجسِّد عالمية الإسلام وسموه وحقيقته التي تقوم على الوسطية والاعتدال ومنهج السلف الصالح في طلب العلم لهذا كلّه جعل بلادنا تحتل الريادة في العالم في العمل الإسلامي، وصارت القلب النابض للمسلمين ومهوى الأفئدة وصارت محبوبة وسمعتها طيبة في قلب كل مسلم يسكن في الشرق أو في الغرب. إنها والله نعمة عظيمة ومصدر شرف لكل مواطن أن يرى بلاده تحتل المكانة العالية التي ترفع الرأس، مما يجعل المسلم يحب بلاده ويعتز بها ويفرح بهذا التميز والنهج القويم حفظ الله بلادنا وأدام عليها الأمن والأمان وحفظ الله القيادة السعودية الراشدة ذخرًا للإسلام والمسلمين. ويقدم د. المانع مجموعة من المقترحات ومنها: زيادة عدد المنح الجامعية وكم أتمنى أن تكون مائة ألف منحة سنويًا، والاستمرار على هذا النهج القويم المبني على الوسطية والاعتدال، والاستمرار في خدمة كتاب الله عزّ وجلّ من خلال المجمع المبارك وإيصال المصحف باللغة العربية واللغات العالمية إلى كل بلاد وكل أقلية إسلامية، والتوسع في طباعة وترجمة الكتب الإسلامية في جميع التخصصات، ونقل ترجمة المصحف الصوتية إلى بلاد المسلمين بكافة اللغات، وإفادة المراكز الإسلامية العالمية بتجربة المملكة الرائدة المبنية على أسس واضحة تنشر وسطية الإسلام وعالميته بعيدة عن الغلو والتطرف. نشر الدعوة الصحيحة ويرى الدكتور عماد بن زهير حافظ عميد شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة ضرورة الاستمرار في إقامة المؤتمرات التي تتخذ الحوار سبيلاً في عرض منهج الإسلام المعتدل الوسط، مع ضرورة انتقال المؤتمر من بلد إلى آخر لما يكون فيه من الأثر الحسن تجاه أهل تلك البلاد من المسلمين وغيرهم وتيسير دعوتهم برؤية ذلك المنهج عن قرب، والاستمرار بقيام الهيئات العالمية التابعة لرابطة العالم الإسلامي بواجبها وأعمالها المختلفة من عقد اللقاءات والمسابقات والمنتديات والمؤتمرات لبيان منهج الإسلام وسطيته، مع أهمية التنسيق والتواصل مع خريجي الجامعات السعودية من أبناء الدول المختلفة عن طريق عمادات شؤون خريجين الجامعات، لتحقيق التواصل الصحيح والنافع مع مجتمعاتهم المتنوعة فكرًا وطبعًا، مع الاستمرار فيما تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من عقد اللقاءات والدورات العلمية والبرامج الثقافية في مختلف دول العالم بالتنسيق مع الملاحق الدينية بالسفارات السعودية، وكذلك التواصل عن طريق الشبكة العنكبوتية عبر مواقع الوزارة والرابطة والجهات ذات العلاقة بالمسلمين في مختلف الدول والطلاب الذين تخرجوا من الجامعات السعودية، وذلك من أجل تزويدهم بكل ما يحقق وصول الدعوة الصحيحة إليهم والإجابة على تساؤلاتهم وما يجد لهم من أمور، إضافة إلى إقامة المؤتمرات العلمية داخل المملكة ودعوة أصحاب الفكر والسياسة والدين من تلك البلاد، كما رأينا في عقد المؤتمر العالمي الأول عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، مما كان له ثمرات عظيمة في بيان ذلك المنهج الإسلامي، مع استمرار الجامعة ومثيلاتها من الجامعات السعودية كجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عقد الدورات العلمية والثقافية في دول العالم التي من شأنها إبراز المنهج الإسلامي الصحيح المعتدل وبيان جهود المملكة في جوانب خدمة كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتأكيد على زيادة عدد المنح لأبناء المسلمين والعناية بهم والتواصل معهم بعد تخرجهم، والأخذ في الاعتبار بالمد الباطني تجاه أبناء المسلمين السنة وتحصينهم مما يواجهونه من الأفكار المتطرفة الأخرى.