في الوقت الذي يدشن الرئيس جورج بوش كل أدواته العسكرية للقيام بحرب ضد أفغانستان، ما زال الشعب الأمريكي منقسما على نفسه في تأييد هذه الحرب من عدمها؛ فمنذ وقوع انفجارات واشنطن ونيويورك الثلاثاء 11/9/2001م تطالعنا الصحف الأمريكية باستطلاعات رأي، تارة تؤكد تأييدها لبوش، وتارة أخرى ترفض الحرب، وتؤكد أن الإرهاب سيأتينا مرة أخرى. وعلى صعيد نخبة البحث العلمي في أمريكا، لوحظ رفضهم لتوجيه أي ضربة ضد أفغانستان، معتبرين أن بوش سيفشل في حربه مثلما فشل السوفيت من قبل في القرن العشرين، والبريطانيون من قبلهم في القرن التاسع عشر. ومن أبرز الندوات التي ظهر فيها هذا الرأي الحلقة النقاشية التي نظمتها جامعة آلينوي عن «الانفجارات الأمريكية وتداعياتها» وضمت مجموعة من أبرز أكاديميي أمريكا. فقد قال «بول ديل» أستاذ العلوم السياسية: إن الإرهاب ليس له دول محددة أو حتى أراض ومناطق معلومة، إنما الإرهاب موجود في بيوت وفنادق ومكاتب مؤجرة لا يمكن قصفها واحتلالها، وأضاف ديل: إذا افترضنا أن الحرب ستكون مع دول راعية للإرهاب مثل أفغانستان فستكون فاشلة، وستكون أقرب للحرب على المخدرات، بمعنى أن تكون حربا غير مركزية. وأكدت البروفيسورة «فاليري هوفمان» أستاذة الأديان والمتخصصة في الدراسات الإسلامية: ان الضربات الأمريكية الخاطئة للسودان وأفغانستان عام 1998 قد سببت معاناة شديدة، وأن الانتقام الأمريكي سيخلق معاناة جديدة، ويكسر شبكة التعاطف الدولي مع الولاياتالمتحدة. وأضافت هوفمان : ان جميع دول العالم قد أدانت الانفجارات التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة، وتعاطفت مع الشعب الأمريكي، وليس كما صورت بعض وسائل الإعلام الأمريكية من جود مظاهرات للفرحة في المدن الفلسطينية، مشيرة إلى أن الشريعة الإسلامية ترفض هذا القتل الجماعي للمدنيين. إلا أنها من جانب آخر، تساءلت حول مدى إحساس الأمريكيين بمشاكل الشعوب الأخرى في فلسطينوالعراق، وهل ستكون تلك الحادثة بداية لوعيهم بآلام الآخرين؟!. وفي حديثه رفض «كينيث كونو» أستاذ التاريخ والمتخصص في دراسات الشرق الأوسط الشعارات التي ترفعها وسائل الإعلام وبعض كتاب الصحف الكبرى، من قبيل «صدام الحضارات» و «الحرب بين الحداثة والتخلف» وما إلى ذلك. وشدد كونو على أنه من خلال خبرته بالعالم الإسلامي يعرف أن الشعوب الإسلامية تفرق بين السياسات الخارجية الأمريكية والشعب الأمريكي، وبينما ترفض الأولى ترحب بالثاني. ومن جانبها، قالت البروفيسورة «كريستين هوجانسون» أستاذة التاريخ: إن تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي في العقد الأخير يرجع إلى ثلاثة أسباب هي: التقدم التكنولوجي بما سهل من التعامل مع المواد الخطرة وتركيبها، وانهيار الاتحاد السوفيتي الذي ساعد على تداول معلومات عن الأسلحة الكيماوية، كما وضع الولاياتالمتحدة وحدها في موضع صدارة القوى الكبرى كهدف للإرهاب، وأخيرا سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية التي أكسبتها العداء في الشرق الأوسط، ومن ذلك تأييدها المتواصل لإسرائيل والعقوبات المستمرة على العراق. وأشارت هوجانسون إلى أن القصف الأمريكي للعراق أو أفغانستان قد يعتبر «قانونيا» باستخدام القوة المسلحة، لكن نفس الدمار يصنف بأنه «غير قانوني» إذا قام به أفراد أو جماعات راديكالية ضد الولاياتالمتحدة. وتساءلت كريستين حول ردود أفعال الأمريكان لو أنهم تخيلوا أنفسهم محل شعوب هذه الدول، يتعرضون لضغوط اقتصادية وسياسية من القوة الكبرى، ورسائل قيمية تتنافى مع ثقافتهم وتفرض عليهم، فماذا سيكون رد الفعل؟!