غداة 11 أيلول سبتمبر 2001 كان على الرئيس برويز مشرّف أن يتخذ قراراً صعباً وقاطعاً رداً على سؤال صعب هو أين ستقف باكستان في "الحرب على الارهاب"؟ وكان على مشرّف ان يأخذ في الاعتبار عوامل عدة أولها ان خسارة العلاقة مع الولاياتالمتحدة قد تؤدي الى تحالف أميركي هندي يجعل باكستان مهددة على نحو غير مسبوق. والعامل الثاني ان انزلاق باكستان الى المعسكر المعادي للولايات المتحدة أو المعرقل لحربها قد يطرح على بساط البحث مصير ترسانتها النووية ومخاطر وجودها في "أيد غير آمنة". وكان عليه أن يأخذ في الاعتبار أيضاً أن حركة "طالبان" هي في الأصل صناعة باكستانية بمباركة أميركية. وكان عليه أن يتذكر أن باكستان، وبمباركة أميركية، لعبت قبل ذلك دور المعبر الآمن والقاعدة الخلفية للمجاهدين الذين توافدوا الى افغانستان لمحاربة "الجيش الأحمر" السوفياتي وبينهم أسامة بن لادن. ولم يكن مشرّف يحتاج الى من يذكره بصلات الاستخبارات العسكرية الباكستانية ب"طالبان" وتعاطف الاسلاميين الباكستانيين معها ومع "القاعدة"، وعلاقات "طالبان" و"القاعدة" بالقبائل الباكستانية عند الحدود مع افغانستان. وفي تغليب للحسابات البعيدة المدى اختار مشرّف الانضواء في "الحرب على الارهاب" ما سهل على الولاياتالمتحدة اسقاط نظام الملا عمر وحرمان زعيم "القاعدة" من الملاذ الآمن. كانت إدارة جورج بوش محتاجة الى التأييد الباكستاني لتسهيل مهمة جيشها في افغانستان لاسقاط نظام "طالبان" أولا ومنع اسقاط النظام البديل ثانياً، ولمنع عناصر "القاعدة" وقادتها من العثور على ملاذ باكستاني آمن. وكانت إدارة بوش مهتمة بالحصول على حليف إسلامي كبير في مواجهة مجموعات تسعى الى تصوير الحرب عليها وكأنها حرب على الاسلام والمسلمين. وأظهرت التطورات أهمية الحلقة الباكستانية. شعرت "القاعدة" سريعاً بوطأة الوجود الأميركي في الحلقة الباكستانية. هكذا صدر القرار باغتيال مشرّف الذي نجا حتى اليوم من محاولات عدة، بلغت اثنتان منها مرحلة التنفيذ ولامستا موكبه. والواقع ان "القاعدة" هي في أمس الحاجة الى انتزاع الحلقة الباكستانية من الحصار المضروب حولها. فانتزاع هذه الحلقة شرط لأي محاولة جدية لقلب الأوضاع داخل افغانستان فضلاً عن ان اثارة اضطراب في دولة اسلامية كبرى تمتلك سلاحاً نووياً سيسهل ل"القاعدة" الافادة من أزمة بهذا الحجم. في ضوء هذا التجاذب على الحلقة الباكستانية يمكن فهم الرد الأميركي المسرف في الاعتدال حيال ارتكابات عبدالقدير خان أكبر تاجر نووي في العالم. وفي السياق نفسه يمكن فهم تصريح وزير الخارجية كولن باول باعتبار باكستان أكبر حليف خارج حلف شمال الأطلسي وانزعاج الهند من هذه الخطوة. وفي موازاة هذه الهدايا الأميركية اتخذ مشرّف قرار التصدي لمعاقل "القاعدة" في المنطقة الحدودية على رغم المجازفة بالاصطدام بالقبائل هناك وبالأحزاب الاسلامية في الداخل. واضح ان مصير الحلقة الباكستانية مهم بالنسبة الى مستقبل "طالبان" و"القاعدة" و"الحرب على الارهاب"، خصوصاً بعدما اتضح ان تركيبة العراق تحرم "القاعدة" من التحصن فيه على المدى الطويل حتى ان استطاعت اليوم تنظيم هجمات مدوية فيه.