ما ان يطوي الزمن أوراق الاختبارات من المدارس حتى ترى أوراق التذاكر تتساقط أمام من يتوقون للرحيل ممهدة لهم إخراجهم، ثم الاعتزام على الترحال والهجرة إلى الجهات الفرعية من العالم. السفر.. السفر. فالحقائب قد ملئت استعدادا له، والمقاعد قد حجزت، والغرف في البلاد المسافر إليها قد جهزت، ويوشك أن تقلع الطائرات إليها. ولكن! قديما قيل: ترحل عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد فأي النوع هذا السفر؟ وهل لإحدى هذه الخمس أم لغيرها؟ وهل حافز جعل المسافر يركض لطلب الربح المعنوي وهل تعلق قلبه بالرجعة إذا سافر أم إلى الأمام مع زيادة وعر الطريق، وتخرصات في المحطات والمنزل، أو إسراف من حيث فقرات ما بعد النزول والاستقرار، ثم نشر ونثر تلك الثروة المادية فيما قد لا يفرج هماً ولا إحدى الفوائد الخمس المذكورة، ثم نبذ لبعض الالتزامات والآداب الإسلامية إلا من رحم ربي ورزقه بفائدة من فوائد السفر. فإذا كان السفر للعلم فالعلم مطلوب في كل زمان ومكان، ومن المهد إلى اللحد، أما صحبة الرجل الماجد فهي أمر آكد، وأما اكتساب المعيشة فأظن الذي يرحل في طلبها هو من الذين انسدت أمامهم طرق التكسب للعيش، فلا بأس إذن بالتنقل سعيا إليها. وأما الهم وتفرجه فإن الهم هنا وهناك، وأسبابه كثيرة وليس تفريجه محصورا أو محصوله في السفر بدعوى إغلاق باب التفرج هنا، ثم التحالف في اللحاق بركب التقليد، حتى وإن كان هذا الركب أعرج، وأنه يسقط على رأسه متى ما مشى. قال الله تعالى «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» الآية الطلاق 23. إن الضرورة الداعية إلى البحث عن الاسترواح النفسي هي التي تحكم، وتبدي الهدف المرجو، وحينذاك تجتلي الحقائق سلبا وإيجابا. وليكن القلب نائلا على حظ أكبر من هذا الاسترواح وليس حاجة نفسية فقط، نعم لينال الجانب العقلي والمنطقي كي يتحالف مع تحقيق الايجابيات المنقذة للإنسان من الإسراف والخسران والحسرات، خاصة في حال صرف الأوقات فيما لا يتفق مع جانبي العقل والمنطق، وبالتالي لاتفيد، نعم أي فائدة هذه بعد ضياع الثروة الزمنية والمادية، وهناك أحوال تنتهز فيها مثل هذه الفرص الغنية، منها: البر والصلة بالنفس وبالمال، يدا بيد أو بإحدى تلك الوسائط. فهل نسافر مهاجرين طلباً للتسلية والفرح دون داع يستلزم ذلك، من سواعد نفسية كالملح والسرور؟ وهل نهدر أوقاتنا ذاهبين إلى تبذير واستهلاك ثرواتنا، وقد تأتينا أحوال، ونحن في حاجة إلى ثروة مادية ومعنوية ثم لا نجدها، لأننا أنفقنا بلا تدبر، وسحنا في البلاد بلا تفكر، في سبيل جلب الراحة الشاملة، والتي قد يخالفها العقل السليم، خاصة التي هي في حدود وظيفته.