✒كثير من الناس يحب السفر، ويجد فيه متعة، وانشراحًا للصدر، وتجددًا، وقد يتحمل البعض بعضًا من مكابد السفر وأتعابه؛ ليصل إلى وجهة يجد فيها راحته وأنسه. ولأن الناس فيما يعشقون مذاهب، فإنهم كذلك مع السفر، فمنهم من يسافر بتخطيط وترتيب، ومنهم عكس ذلك تمامًا، فلا أيام تحكمهم، ولا مكان إقامة يستقبلهم، ولا ميزانية للعيش يسيرون وفقها.. ترافقهم الفوضوية ويعتريهم النزاع بسببها، ويترقبهم العود غير المحمود. إذ كيف بالعيش الهنيء وسط الفوضوية والنزاع؟!! أيها القراء: من متع السفر أن نترقب السفر نفسه، ونخطط له، بأيام وبداية ونهاية، وما نحتاج إليه ماديًا ومعنويًا.. قد يعرف الكثيرون الاستعداد المادي( من مأكل ومشرب، ومواد أخرى تستخدم للحياة اليومية، لكنهم يستاءلون عن ذلك الاستعداد المعنوى، وأنى لهم ذلك؟ وهل بالفعل له دور ، وأثر في تميز السفر؟؟ أقول: نعم أيها الكرام. إن التهيئة المعنوية، واستعداد النفس للتغيير والانبساط، والأنس بما خلق الله في الطبيعة وأبدع، لهو من أهم الاستعدادات للسفر، ومن هنا تأتي فكرة التخطيط وانتقاء أروع وأجمل الأماكن. ولنجعل من هذا السفر عبادة تفكرية نتقرب بها إلى الله تعالى، ونعيد للذاكرة نعم الله تعالى المحيطة بنا، قال عمر بن عبدالعزيز : الكلام بذكر الله عز وجل حسن والفكرة في نعم الله أفضل العبادة . وقال لقمان الحكيم : إنّ طول الوحدة ألهم للفكرة وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة . وقال وهب بن المنبه : ماطالت فكرة امرئ قط إلا فهم ولا فهم امرؤ قط إلا علم ولا علم امرؤ قط إلا عمل. أيها المسافرون: اجعلوا في سفركم فكرة وعبرة قال أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة. إذا المرء كانت له فكرة... ففي كل شيء له عبرة... هل أدركنا أيها الكرام هذه الأرض من حولنا؟ سل الواحة الخضراء والماء جاريا* وهذي الصحاري والجبال الرواسيا سل الروض مزداناً سل الزهر والندى * سل الليل والإصباح والطير شاديا وسل هذه الأنسام والأرض والسما* وسل كل شيءٍ تسمع الحمد ساريا فلو جم هذا الليل وامتد سرمدًا* فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا** قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) السفر أيها الفضلاء أكبر فرصة للتأمل والتفكر في مخلوقات الله، وإدراك عظمته سبحانه فيها. ولمن يمنعهم البخل أو أي سبب آخر غير مقنع من السفر، ويحتجون ب( السفر قطعة من العذاب ) أنقل لكم هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أحَدَكُمْ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ونَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إلى أهْلِهِ. في هذا الحديثِ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: السَّفرُ قِطعةٌ مِنَ العذابِ، أي: جُزءٌ منه لِمَا فيه مِنَ التَّعبِ وقِلَّةِ الماءِ والزَّادِ، فالمرادُ العَذابُ الدُّنَيويُّ، ثُمَّ وجَّهَ ذلك بِقولِه: يَمنعُ أحدَكم طعامَه وشرابَه ونومَه، أي: كَمالَهما، ثُمَّ أوصَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسافِرَ بِأنَّه إذا قَضى نُهمَتَه أنْ يُعجِّلَ إلى أهلِه، ومعناه: إذا قضَى وانتهى المسافِرُ مِن حاجتِه الَّتي سافَرَ مِن أجْلِها فعليه أنْ يُعجِّلَ بِالرُّجوعِ إلى وَطنِه وأهلِه؛ لِيقْطَعَ هذا العذابَ الَّذي سَيَستمِرُّ بِسفرِه.) أجزم بعد فهمك أيها القارئ لمعنى الحديث، أنك فرّقت الآن بين السفر الذي هو قطعة من العذاب، وبين السفر الذي لابد فيه من التفكر والتأمل، وإدراك نعم الله عليك والتحدث بهذه النعم، وكيف أن الله يسر لنا كثيرًا منها فيما يتعلق بالسفر والتنقل، وتوفر جميع وسائل الراحة.. أخيرًا: مما يذكر عن الإمام الشافعي.. سَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد. حاولوا قدر الإمكان الحصول على هذه الخمس، وابدأوا سفركم بأهم ثلاث نقاط: التخطيط ثم التخطيط ثم التخطيط.. أين؟ ومتى؟ وكيف؟