في الأسبوع الماضي كتبتُ عن تقصيرنا شعباً وأجهزة رسمية في شؤون الأمان والسلامة. وكان لابد أن أمر بسرعة على الكوارث والأزمات ولم يدر بخلدي إني سأعود إلى الموضوع ولو بشكل آخر في الأسبوع الذي يليه. يبد أن أزمة مياه الرياض التي أغرقتنا في بحار من العطش وشح المياه نتيجة انفجار في أنبوبين من أنابيب مياه التحلية القادمة من الشرقية أقضت مضجعي. أزمات المياه ومصادر الطاقة كلها متوقعة الحدوث ومن لا يتوقعها عليه أن يراجع قدراته الذهنية ببساطة لأن مثل هذه الأزمات تحدث في كل مكان من الأرض وفي أي وقت. فمعظم الأزمات- والكوارث- تأتي بشكل مفاجئ ولكن الفرق بين التقدم والتخلف يظهر في جانبين: الأول، التقليل من احتمال حدوثها بعمليات متابعة وصيانة وفحص، والثاني، في الاستعداد الاحتياطي لها! عناية الله بنا ورأفته جعلت الأزمة تبدأ وتنتهي بإصلاح الأنبوبين خلال ثمانية أيام بينما أقوال غير رسمية كانت تقول انهم )أي المعنيين بالمياه( جلسوا ثلاثة أيام يبحثون عن مكان الخلل وان الإصلاح سيستغرق عشرين يوماً. ولو حدث هذا لتحولت الأزمة إلى كارثة، إذ من الماء جعل الله كل شيء حيّاً، ولتقاتل الناس على قطرة ماء. ليس هذا فحسب بل لأدى تراكم الأوساخ الى تفشي الأمراض والأوبئة ولارتفعت الأسعار في كل منتج أو خدمة لضرورة وجود الماء. أما يوميات أزمة الماء من واقع التقارير الصحفية والمشاهد العيانية فتقول ان الرياض صحت ذا صباح بلا ماء فقال الناس ربما تأخرت مياه البلدية إلى العصر فالتأخير عادتها الميمونة كل صيف، وعندما حل المساء بدون ماء علل الناس أنفسهم بآمال الفجر الباسم، وفي الصباح التالي اتضح الأمر واستبد هلع توفير قطرة الماء. فارتفع سعر وايت الماء ليتراوح ما بين 600 إلى 1000 ريال! ورفعت مغاسل الملابس أسعارها، وتوقفت المحطات عن غسل السيارات، وعاشت المطاعم والفنادق كابوساً تجارياً مرعباً. وترك الناس أشغالهم وأماكن عملهم ليتصيدوا وايتات الماء، ويقضون أياماً في انتظار الدور في مراكز توزيع المياه. وتدخل الأمير سلمان بن عبدالعزيز بأن تعطى المياه من الأشياب بالمجان لوكلاء الوايتات. ومهزلة الانتظار في مراكز توزيع المياه فلتخص المسألة برمتها. وتذكرت أني ذات صيف ذهبت الى فرع مصلحة المياه في الازدهار لجلب وايت للماء، ووجدت ان عليّ ان أدفع الرسم المقرر، وأسجل اسمي وانتظر دوري. كم مدة الانتظار؟ يصير خير يا رجال، نصف ساعة أو ساعة. ولكنها كذبة متعمدة لأن الانتظار العادي في المتوسط يصل إلى ثلاث أو أربع ساعات. بينما هناك فكر مستورد- والعياذ بالله- يقول ان تقدير وقت الانتظار ليس مسألة شائكة. وان عليك احتراما لوقت المواطن والمقيم أن تعطيه التقدير الصحيح زائد ناقص نصف ساعة. أما أن يترك المرء عمله وينتظر لساعات غير معلومة ولأجل غير مسمى فهذه مسخرة واستهانة بالناس. ولكن بينما يكون انتظار ثلاث ساعات مبلوعاً ببعض الغضب والحنق فإن انتظار بضعة أيام في انتظار «جودو» فهو مأساة وحرب أعصاب بين مطرقة فوضى المراكز البدائية وسندان« أطفال أرسلوك وانتظروا» وعمل ضاغط يستلزم وجودك لتضيع الساعات بينها جمل ذهبية: مرة «تعال في الخامسة عصراً» وبعدها «عفوا، تعال الحادية عشرة مساءً» وثالثة «معليش يا أبو الشباب، ارجع في الخامسة صباحاً» ورابعة «سامحنا! تعال عقب صلاة العصر بالضبط ولا يكون خاطرك إلا طيب» وهكذا دواليك.أما تصاريح مسؤولي المياه فكانت التسلية المضحكة المبكية أثناء الانتظار القاتل: «إنها الأنابيب اللعينة، لقد خدعتنا! حدث في الماضي أنها انفجرت عدة مرات وتوقفت إمدادات الماء ولم يلحظ الناس ذلك لأنها حدثت شتاءً. ولكنها سخرت منا هذه المرة فانفجرت صيفاً». على العين والرأس. نتفق معكم أنها أنابيب قليلة الأدب وليس لها خاتمة، لكن لماذا التأخر في الإصلاح؟ وتأتي الإجابة بأن أنابيب بديلة من نفس المقاس ليس متوفراً في المستودعات)!( وليس من حل إلا طلب تصنيعها خصيصاً)!!( وإذا كان خلو المستودعات يستدعي علامة تعجب واحدة، فإن طلب التصنيع المخصوص يستوجب علامتين، إذ يبدو وكأن المصنع أشبه بخباز تميس: بالله أربعة أبو السمن واثنين بسكوت وواحد عايدي لو سمحت! أزمة المياه قادمة لا محالة، وستكون أزمة مقيمة لسنوات أو عقود وليست عابرة نتيجة انهيار خزان أو انفجار أنبوب. فهي أزمة عالمية وهذا القرن كما يقول كثير من الساسة سيكون قرن حروب المياه. هذا أمر معروف منذ عشرين سنة فماذا فعلنا لترشيد استهلاك الماء غير إعلانات ساذجة تهيب بالمواطن أن يرشد من استهلاكه للمياه مع تحيات أمانة بلدية المدينة الفلانية. ووهم بأن هناك بحيرة ماء عذب عملاقة تقبع تحت رمال الربع الخالي ولكن المشكلة تكمن في أنه لا يمكن لأحد الوصول إليها. وهذا كلام شبيه بمن يقول لك« ابشر لقد وضعت باسمك عشرة ملايين ريال في البنك مع شرط بسيط هو أنه لن يمكنك السحب منها أو الاقتراض بضمانها أو استصدار أي خطاب ضمان حتى مماتك. ولكن إلى أن يتوفاك الله بعد عمر طويل عش مطمئناً أن لديك عشرة ملايين. وهذه شهادة الإيداع باسمك كي تعرف أني صادق فيما أقول». ما يحزّ في نفسي حقاً أن أفلام مغامرات التسلية الكرتونية الأمريكية الموجهة للأطفال تحوي نصائح وإرشادات للاقتصاد في الماء وترشيد استخدام الطاقة وهي قارة تخترقها الأنهار بالطول والعرض وتتزاحم البحيرات الحلوة في أرضها وتحوي العديد الوفير من مصادر الطاقة. هل قال لنا أحد ان قطرة ماء تذهب، نحتاج عشرة آلاف سنة لتعويضها؟ هل أرشدنا أحد عن كيفية التقليل من استهلاك الماء غير إقفال الصنابير جيداً ومنع تسرب المياه؟ هل علمنا أحد كيف نحد من أن يذهب 13 لتراً من الماء مع كل ضغطة سيفون؟ ثم كيف يقتنع المواطن أننا جادون في عملية الحفاظ على المياه عندما توقع به البلدية غرامة لأن ماء غسل ساحة البيت سال إلى الشارع ففضح الإسراف، بينما ماء البلدية الذي يروي الأشجار على جوانب الطرق يسيل مدرارا. في عز الأزمة تذكرت صورة لمؤسس المملكة رحمه الله رأيتها في مجلة إنجليزية قبل أكثر من عشر سنوات وتحتها تعليق يقول:« وبينما كان الملك عبدالعزيزمشغولاً في حفر آبار ماء يروي به شعبه تفجرت آبار النفط». وأخشى ما أخشاه أن يأتي يقف فيه كل منا ببابه يستجدي باعة الماء رغم كل هذا البترول. فاكس 4782781 [email protected]