يبدو ان الكتَّاب وحدهم هم اكثر الناس احساسا بلحظات الزمن وتمييزا لها.. لان القراءة والكتابة تستغرقان زمنا ليس بالقصير وذلك ضمانا لكتابة اعمق وفهم اشمل واوسع للوصول الى الحقائق بصورة اكثر دقة وموضوعية.. كما ان الغوص في اعماق الانسانية يتطلب ذهنا صافيا وعقلا حاضرا بعيدا عن التشويش.. وقد يكون للشهرة والاضواء احيانا دور في اشغال الفنان المبدع عن عطائه.. وقد روى )البير كامو( في احدى قصصه حكاية نادرة لكنها ترمز الى مدى حاجة الفنان الى مزيد من النمو والعطاء.. والحكاية تتحدث عن رسام باريسي نال شهرة واسعة فأخذ نقاده واصدقاؤه وعائلته وتلاميذه يشغلونه عن حياته ويملؤون منزله ويضيِّعون وقته فلا يجد وقتا للعمل فهو طوال الوقت محاصر بأسئلتهم وقضاياهم التي يناقشونه بها الى ان لجأ الى بناء مخبأ صغير لنفسه معلق بين السقف والارض وذات يوم ينهار إعياء وهو يكتب على لوح اسود وبصعوبة )وح ...( فأخذ من حوله يتساءلون يا ترى: )وحدة أم وحشة؟!( وفي رأيي انها وحدة يحبها الفنان ويشتاقها ووحشة يتخيلها هؤلاء المحيطون الذين لا يدركون ولا يعون ماذا تعني لحظات الهدوء للفنان رساما كان او شاعرا او كاتبا! الم يقل شكسبير )اشعر بأني أقل وحدة حين أكون وحدي(. اذكر ايضا ان الكاتب الاديب ميخائيل نعيمة اتخذ له مكانا منعزلا عن العالم يدعى )الشخروب( وهو مكان ناء هادىء فوق قمة جبل يلجأ اليه ويجد فيه لذة التأمل والتفكير ومن ثم تأتي القصة والمقالة والشعر. ليس الكتَّاب والفنانون وحدهم، بل كلنا بحاجة الى لحظات هدوء للتأمل في كافة المواقف التي تمر بنا وتؤثر في مجرى حياتنا وسنجد حتما ان ثمة أشياء كثيرة تستحق التفكير واشياء اخرى تحتاج الى التغيير. رأت امرأة احد الفلاسفة الكتَّاب فبادرته قائلة: يا سيدي، لم افهم شيئاً من كتابك الأخير رغم اني اشتريته بثمن غالٍ! فأجابها قائلاً: يا سيدتي بامكانك ان تشتري بالدراهم كتاباً، لكنك لا تستطيعين ان تشتري بها عقلاً!! E - mail:[email protected]