تنتمي الأديبة عفاف السيد الى جيل التسعينات الأدبي في مصر وهي أحد الأسماء المميزة في هذا الجيل استطاعت تأكيد موهبتها عبر العديد من الاعمال التي صدرت لها منها قدر من العشق، بروفات، سراديب، ورواية واحدة بعنوان السيقان الرفيعة للكذب، كما صدر لها مؤخراً مجموعة قصصية جديدة بعنوان سعادات صغيرة. التقتها الجزيرة في هذا الحوار الذي تحدثت فيه بصراحة شديدة عن كتابتها ومسيرتها والعديد من القضايا الأدبية الأخرى. * أين تقفين الان من مشروعك الابداعي؟ الكتابة عندي هي الثمرات الطازجة، ولذا لابد اولاً من وجود الشجرة التي هي «حياتي» بكل ما فيها من خطابات معرفية وايديولوجية وثقافية وعقائدية واعراف وخبرات، فبعد صدور خمسة اعمال اعتبرهم نتائج صحيحة في منهجي الابداعي القائم على مقدمات أو معطيات هي تجاربي التي اتكئ عليها باعتزاز، ولذلك فان مشروعي الابداعي هو تلك الذات الضاربة في زمن هو بالضرورة زمني الخاص والسامقة في تجليها الفردي المفارق لما عداه. هنا لابد لمعالم المشروع ان تكون متضحة بدقة لاني لم أبدأ الكتابة الا بعدما تجاوزت بتلك الذات حد الغوغائية الفكرية والشعورية وكان لابد من خروج تلك الذات من متاهتها الرخوة ولابد من براءة شفيفة وكاملة تمرن الذات المتعبة على الاحتيال في وجودها داخل المسالك المظلمة أو اخراجها الى الخلود. الكتابة عندي هي نزوع للخلود ولذلك فانني أناضل العتمة ببراءة أو «احتيال». لغة محايدة * هل كونت لغتك الخاصة بحياد شديد أم ما زلت تبحثين عنها؟ وهل انت راضية عن ابداعك بصفة عامة؟ أنا ضد الحياد، وأنا انحاز لابداعي لانني أنحاز لذاتي.. وبدون حياد وربما بغرور اشد فانني امتلك لغة تخصني سواء من حيث المفردات الخاصة بي التي لا يخطئها القارئ المتابع أو تركيب الجملة الواحدة ثم العلاقات بين الجمل، ثم الاسلوب وعندما اشعر انني اتحدث عن كتاباتي بهذا الوعي المتقن اشعر باني مميزة فهذه قصائدي وقصصي لو حجب توقيعي عنها فان احدا لن يتعب ليدرك انها لي، ان كتابتي تشبهني كثيرا، فهي أمي وابنتي، انني امتلك لغة انثوية واضحة، اعود بها الى حقيقة اللغة التي كانت انثى ثم تم تذكيرها مثلها مثل التاريخ والاعراف والعقائد والاساطير. لكني اعود باللغة الى منابعها الأولى الانثوية الصافية. وبالعموم انا راضية عن ابداعي لحد الثقة فيما اكتب لانني اثق بالحياة ومتوحدة مع الكتابة، فانا أكتب ذاتي بامكانتها وتحققها، بوعيها الدافق ورعونتها وانسياب حزنها وبراعتها في الاحتيال. * من الكاتب أو الكاتبة الذي يأخذك عالمه الابداعي الى الافق البعيد حيث تتحسسين الوان هذا العالم وتعايشين شخوصه؟ ولم يجبرني مبدع على دخول عالمه مثلما فعلت بهيجة حسين في رواياتها «اجنحة المكان» و«مرايا الروح» و«البيت»، فقد دفعت بطغيان لدخول مجالات شخوصها فبكيت بشدة لعذاباتهم وتمردت لطغيانهم على روحي وجاهدت بشدة للخروج من دوائرهم الحزينة.. هناك في عوالم «بهيجة حسين» كنت احتمي بحيطان وعي ولكن شخوصهم كانوا يجرون روحي لمسالكهم التعيسةوالبريئة، لماذا تؤرقني عيونهم ومع ذلك التصق بهم، ربما لان بهيجة حسين صديقتي ولانني اعاصر كتابتهم واراهم يتكونون تفصيلة تفصيلة واعايش عذابات صديقتي وهي تبكي حين الكتابة، وهي تتعذب وهي تسمو ربما!! لكني احب شخوصها وفي يوم سأكتب رواية عن «كيف تكتب صديقتي رواية». أما المبدعون جميعهم فانني احبهم ولكني لا ادخل عوالمهم فقط افتح نوافذ روحي وانظر الى شخوصهم وعوالمهم، وربما انفعلت فمددت روحي اليهم اطمئنهم، انا احب عوالم سمية رمضان، ونورا امين وسحر الموجي،ثم انني وبشكل خاص منبهرة بعوالم السعداوي الابداعية وكل شخوصها المتمردين والتعيسين والضحايا، وكل هذا الوعي الجامح والثقة بملكوت الكتاب والروح، وكذلك ليس في الكتابة فقط ولكن في الفن التشكيلي فان لوحات صلاح عنابي تخطف روحي الى عوالم لا أريد الخروج منها. ملامح خاصة * جيل التسعينات، جيل له مذاقه وملامحه الخاصة؟ الى أي مدى تصدق هذه المقولة؟ ارفض مصطلح «الجيل» فان الكتابة مجموعة من السمات الخاصة تنطبق على مجموعة افراد بعيداً عن فكرة المسار الزمني الذي يجعل من كل عشر سنوات جيلاً ابداعياً، هذا ظلم كبير للابداع، انا مع المجايلة الرئيسية، ولذلك فانا لست من جيل التسعينات وانما انا انتمي لمسار خاص في الكتابة هو «التيار الحر» وانا احب ان اطلق هذا المصطلح الشخصي على كتابتي لانني لا اخضع لقواعد متعارف عليها، وان كنت اشكل مع البعض مذاقاً خاصاً وملامح متضحة تجعلنا ننتمي لهذا التيار الحر في الكتابة، ونحن جيل من المبدعات والمبدعين، نكتب اجناساً ادبية مختلفة. * هل تدور كل كتاباتك حول «كتابة الذات»؟ وأين العالم من هذه الكتابة؟ اختلفت في هذه النقطة مع كثيرين، فانا امرر العالم من خلال هذه الذات وليس العكس اكتب ذاتي من خلال العالم، واحياناً اكتب العالم لكن يكون ذلك حالة طارئة، لأنه لا يوجد عالم بعيد عني، وعندما اختفي سيختفي العالم، واختياري «كتابة الذات» لان الكتابة بالنسبة لي هدفها ان أقول لأزمان قادمة انه كانت هناك في الماضي «بنت» مرت من العالم وهذا توصيفها. فانا اتمنى الا اندثر واختفي والكتابة هي سبيلي الاوحد لتحقيق هذه الأمنية.ربما يرى البعض أن هذه «نرجسية»، لكني أعترف بذلك واعتقد انني صادقة مع نفسي، في حين أن الآخرين أو على وجه الدقة نسبة غالبة منهم نرجسيين لكنهم لا يعترفون. النقد الحقيقي * إلى أي مدى تشعرين ان المردود النقدي حقيقي وليس وجهات نظر شخصية؟ مسار النقد الآن ملتبس وليس واضحاً ويسوده نوع من الفوضى، لذا انا لا اعتد بالنقد، ولا اتوجه له سواء معي أو ضدي، ولا أعرف ماذا يكتب عني ولا اسعى لذلك، انا لا يعنيني التقييم النقدي لانه زائف، وغير موضوعي، ويجب ان نفصل بين نوعين من النقد، أولاً: نقد الأعمدة في الصحف السيارة، التي ادخلت في حياتنا الثقافية، علاوة على ادعياء النقد، بعض الرخويات والهوام. والزواحف من ادعياء الكتابة الابداعية، ولذلك فان من يكتبون ومن يكتب عنهم في الحقيقة وفي معظم الاحوال فاقدو المصداقية، واما النقاد الاكاديميون فان حالهم، لا يسر احداً فانهم ما زالوا تحت وطأة التقليد والمدارس النقدية التقليدية القديمة التي اضحت جثثا في مواطنها الاصلية.ولكن عندنا ما زال النقاد يتحدثون عنها ويكتبون بكل هذه الثقة والاصرار، لا أحد يريد أن يتعب نفسه في دراسة جادة وحقيقية، ولا أحد يحاول ايجاد منهج نقدي جديد أو حتى محاولة اكتشاف الجديد في العالم، الحقيقة نقادنا يتعاملون بمنطق اعادة تدوير المناهج النقدية. هذا لا يعني انه يوجد نقاد قلائل هم على وعي بدور النقد وجادين انا لا يهمني النقد ولا أجيد التعامل مع النقاد، ولذلك فانا قد بدأت مشروع ملتقى الكاتبات بآتليه القاهرة احاول من خلاله ان اقدم الكاتبات في كل فروع المعرفة بتناول نقدي جاد وهادف يبعث رؤية جديدة للنقد ويحاول خلق مسارات منهجية جديدة من خلال اجيال مختلفة من الكاتبات والناقدات والنقاد. * ماذا عن تجربة النشر الخاصة التي يلجأ اليها العديد من الادباء الشباب وما رأيك فيها؟ أنا لم أمارس تجربة نشر خاصة ادفع فيها اموالاً، فانا لا أحبذ أن يدفع المبدع مقابلاً لنشر اعماله، ولي نسبة على توزيع كتبي، وهذا ليس ارتزاقاً ولكن محاولة لاعادة الاعتبار للمبدع الذي فقدها في هذا الزمان الذي يكتب فيه الكاتب ويطبع ويوزع كتبه، وطبعاً انا مع وجود دور نشر خاصة على أن تدفع للمبدع مقابل النشر والتوزيع وليس العكس فان دخول دور النشر الخاصة او خصصة النشر سوف يثري حركة النشر ولكن على أن تكون هذه الدور لا تسعى للربحية اي تكون مشروعاً ثقافياً. * وأخيراً ما اهم ما تستعدين لاخراجه من المطابع؟ وما هي الاعمال قيد الكتابة؟ قبل ايام صدر لي عن دار قباء مجموعة قصص «سعادات صغيرة» وبعد أيام سأدفع للنشر بمجموعة قصص «مساحة زيف» ولدي رواية جاهزة انتهيت من الكتابة فيها بعنوان «العقد» لكنني لا أعتقد انني ساقدمها للمطبعة قبل نهاية العام الحالي.. لتعدد الاعمال التي صدرت لي في الفترة الأخيرة واكتب الآن في روايتي «رتوش بسيطة» وكم احب الكتابة فيها لنفسي، طفولتي وتجاربي الانسانية. أي احفظ فيها نفسي من الاندثار. وستكون رواية سيرة ذاتية مثل كل ما اكتب.