* طاهر الزارعي.. اسم له حضوره في عالم السرد لكنه لم يحظ بالالتفات النقدي.. لِم؟ * بداية لا بد أن ندرك بأن الحركة النقدية المحلية تسير على مضض واستحياء فلا يوجد ذلك النقد الذي يؤسس لحركة نقدية موازية لكثرة الإصدارات والمؤلفات أو لربما لثراء بعضها، وما يوجد لدينا غالبا هو مجرد انطباعات لا تعتمد على ذاكرة نقدية بحتة وإنما هي ثرثرة لمجرد الانتهاء من كتاب ما. أما كون أن مؤلفاتي لم تحظ بالتفات نقدي فهذا يحيلنا إلى ما تم قوله آنفا بأن الحركة النقدية وخاصة في فن القصة القصيرة التي أخذت بالتراجع ليس على مستوى كتابها وإنما على مستوى قراءتها ونقدها. كما أن لمنع إصداراتي القصصية (زبد وثمة أقفال معلقة - حفاة - في حقول القمح رجل يتقيأ الفودكا) وعدم فسحها من قِبل وزارة الإعلام سبب آخر لعدم انتشارها بين القراء والنقاد، وبالتالي لا يمكن أن تصل إلى يد الناقد ليتفحصها نقدا وقراءة، أضف إلى ذلك انصراف النقد إلى الرواية دون المؤلفات القصصية وحتى الشعرية نظرا لشعبية الفن الروائي وتداوله بين القراء في المشهد الثقافي النخبوي والشعبي. حجم الإصدار الروائي مدهش * كيف ترى وضع النقد لدينا، وهل خدم حضوره (النقد) الحركة الثقافية؟ * الوضع النقدي لدينا غير مواكب للحركة التأليفية الأدبية ويعتمد على أسماء ابتعدت عن أسس النقد الموضوعي إلى مجرد قفشات هنا أو هناك يطلقها النقاد في وسائل التواصل الاجتماعي، ليس من السهل أن تضع أمام اسمك لقب ناقد، لكن من يقيّم كونك ناقدا أم لا. فالنقد هو فن بحد ذاته يضيف للمنجز الأدبي وأقصد بذلك النقد البناء الذي يبتعد عن الشخصنة وإلقاء التهم حول هذا المؤلف أو ذاك. باعتقادي أن النقد خدم الحركة الثقافية في وقت ما لكنه تضاءل بشكل كبير في هذه الفترة نظرا لكثرة المؤلفات التي لا يتسع للناقد الأخذ بها كلها وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أخذت جل وقت الناقد، أضف إلى ذلك اتجاه النقد لدينا لأسماء معينة فبدلا من أن يضيف للمنجز الأدبي أصبح هذا المنجز هو من يضيف للناقد اسمه في عالم النقد. النقد لدينا بائس يمشي على عكاز -إن صح التعبير- وأستثني من ذلك بعض الكتابات النقدية التي يتناولها بعض النقاد المعروفين في الوسط النقدي والذين يكرسون وقتهم لقراءة المنجز المحلي ونقده. * انصرف الكثير من المثقفين عن المنصات والوسائل القديمة، وهبَوا إلى مواقع التواصل التي هي أساسا بلا ذاكرة.. كيف ترى الوضع؟ وهل هو ظاهرة صحية ؟ * أصبح المثقف العربي على وجه التحديد مجبرا على الدخول إلى هذا العالم الرقمي السريع، وأصبحت هذه الوسائل جزءا من يومياته ونشر كتاباته ومؤلفاته وحوكمة بعض الكتابات الأخرى فهي الوسيلة الأسرع لذلك، وباتت تلك المنصات القديمة هي مجرد منصات عابرة للتراث الثقافي. وأنا أدرك أن مواكبة هذه الوسائل الجديدة لا تروق كثيرا لبعض المثقفين لكن «مكره أخاك لا بطل « لا يمكن الاستغناء عنها رغم أهميتها لجيل الشباب القارئ والمثقف الذي يستطيع أن يأخذ المعلومة الثقافية في لحظات. * هناك اندفاع كبير لكتابة الرواية حيث استسهلها البعض.. كيف تقرأ هذه الظاهرة؟ «الرواية» خطفت الأضواء * الاستسهال في عملية الكتابة والاندفاع تجاهها لم ينج منه هذا الفن الروائي، وقد لحق أيضا كل الفنون الأدبية في القصة القصيرة والقصيرة جدا وحتى في كتابة الشعر. وبمجرد أن تزور مكتبة ثقافية محلية ستصيبك الدهشة من حجم المؤلفات الروائية تحديدا وتتساءل: أيوجد لدينا كل هؤلاء الكتاب والكاتبات في عالم الرواية ؟! أنا لست ضد من يكتب في أي فن أدبي، المشكلة لدينا كمتذوقين للرواية ألا نجد ما يبهجنا ويحقق حلمنا بقراءة رواية صادمة. ولا بد للكاتب من أن يكون ملزما لتقديم تلك البهجة الحقيقية للقراء. وعلى النقاد أن يقفوا تجاه ما يكتب من كتابات يطلق عليها رواية فببالغ الأسف كل من تعبر في ذهنه فكرة ما ينقلها على الورق بتوقيع «رواية» وتشجيع من قبل دور النشر التي تأخذ كل ما يرد إليها في سبيل الحصول على المال دون النظر لجودة المنتج. فالرواية على حد قول «بول أوستر» هي تشارك فريد من نوعه بين الكاتب والقارئ إنها المكان الوحيد في هذا العالم الذي يستطيع أن يجمع بين غريبين في حميمية مطلقة. o يعمد البعض إلى تضخيم عدد مؤلفاته من الرواية والقصص.. هل ترى أن إيقاع الحياة السريع مناسب لمثل هذا التضخيم للأعمال؟ * ليس من الجيد بأن يصبح الكاتب مفرخا لأفكاره ليضعها في مؤلف، لا بأس من تضخيم مؤلفاته لكن ليس على حساب القراء أو المشهد الثقافي بل لا بد أن تكون هذه المؤلفات مدروسة بعناية وتحمل أفكارا تؤهله لاستمرارية الكتابة، فالكاتب الحقيقي هو الذي يتجلى بكتاباته ويغامر من أجلها لتحقيق كتابة إبداعية احترافية. من الطبيعي بأن إيقاع الحياة قد تغير وربما بعض الكتاب ينتج في السنة ما يعادل عشرة كتاب لكن لا بد أن يدرك بأن لا وجود لمؤلفاته إلا بمصداقية القراء لها وتهيئة بيئة إبداعية لهم. * هل ما زالت الشللية موجودة في وسطنا الثقافي؟ نحلم بقراءة رواية صادمة * إنها مأزق الثقافة التي عانى منها أغلب الكتاب، ظاهرة الشللية أبعدت المبدعين عن المشهد الثقافي وقتلت إبداعهم وهي بمثابة الوباء الذي انتشر في فترة التسعينات والألفية الأولى على وجه الخصوص في زمن المنتديات تحديدا ولا تزال آثارها إلى الآن، وإن خفت كثيرا -من وجهة نظري- تبعا لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت للكاتب قراء كثيرين وأصدقاء من العالم. نعم «الشللية» غرزت أنيابها ونهشت كثيرا من المبدعين وحرمتهم من مواصلة إبداعهم، لكنه زمن ربما قد ولى فالسوشيال ميديا أتاحت لكثير من الكتاب الذين يعانون من الشللية بأن ينفتحوا على عالم كبير يحظى بالتقدير.