أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن المهتمين والمتابعين للعمل الإغاثي يرون أن مشكلة اللجوء وتزايد أعداد اللاجئين في العالم تمثل إحدى أهم المآسي التي يواجهها المجتمع الإنساني الدولي في وقتنا الحاضر، هذا وتؤكد أحدث الإحصائيات ان مركز الثقل فيما يتعلق بمشكلات اللاجئين قد انتقل الى القارة الأفريقية حيث توجد بها حاليا أكبر نسبة للاجئين في العالم ولا تقل مشكلاتهم عن مشكلات اللاجئين في غير القارة الأفريقية. ومع وجود هذا الكم الهائل من اللاجئين في أفريقيا، وإلقاء الضوء على الجهود الأفريقية والدولية التي بذلت حتى الآن لمواجهة المشكلة، يتضح ان حجم الجهود المبذولة أضعف بكثير من حجم المشكلة، التي تفردت ببعض السمات التي ميزتها عن غيرها في القارات الأخرى، فالقارة الأفريقية لم تشهد الالتجاء على نطاق واسع داخل أفريقيا بعيدا عن دولة الأصل، بخلاف ما حدث بالنسبة للاجئين الأوروبيين، الذين آثر الكثيرون منهم الالتجاء إلى ما وراء البحار، فقد وصل اللاجئون البوسنيون والكوسوفيون الى أمريكا واستراليا، فضلا عن لجوء بعضهم الى بريطانيا وفرنسا وتركيا وغيرها. أما السمة الأخرى الملاحظة على حركة اللجوء في أفريقيا فهي ان الدول الأفريقية على الرغم من ندرة مواردها، ظلت ترحب باللاجئين من أبنائها. ولعل الناظرين الى أسباب انفراد هذه القارة بهذه النسبة العالية من اللاجئين، يمكنهم حصر أسبابها في الآتي: 1 الحروب الأهلية، والصراعات السياسية، والاعتبارات القلبية، وأبرز مثال لذلك، الحرب الأهلية في الصومال وفي راوندا، وما ترتب عنها من صراعات قبلية وسياسية وغيرها. الكوارث الطبيعية والمجاعات ويعطي اللاجئون الأثيوبيون والأريتريون والصوماليون دليلا قويا على فعل الكوارث الطبيعية، خصوصا بعد حالات التصحر التي شهدتها بلادهم، ونتج عنها مجاعات أدت لتشرد ألوف اللاجئين من مواطنيهم. وحتى لا تظلم الجهود الأفريقية في هذا المجال فنقول: ان هذه المشكلة بالفعل قد احتلت حيزا من اهتمام الدول الأفريقية، التي اتجهت الى إعداد تنظيم دعم جماعي في إطار منظمة الوحدة الأفريقية، ابتغاء عقد اتفاقية تتناول كافة الأمور المتصلة بالتزامات الدول الأعضاء نحو اللاجئين، وتقريرحقوقهم السياسية والاجتماعية والمدنية، مع إيجاد هيئة متخصصة، تشرف على رعايتهم، عن طريق أجهزة متخصصة، الى جانب العمل على إضافة جهود جديدة، تتضمن مراعاة الظروف الخاصة بالقارة السوداء، ومن أبرز المؤتمرات المثمرة التي عقدت لبحث مشكلات اللاجئين الأفريقيين، القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مؤتمر أديس أبابا الذي عقد خلال الفترة من 9 إلى 18 أكتوبر 1967م، والذي خرج بكثير من التوصيات المهمة في شأن دعم اللاجئين. ومن أنجع الحلول لهذه المشكلة التي أجمع كثيرمن المهتمين بقضايا اللاجئين في أفريقيا بأهميتها فيمكن إيجازها في الآتي: 1 تشجيع برامج العودة الاختيارية للاجئين بعدهدوء الأوضاع وزوال المسببات التي أدت الى الهجرة والنزوح، وفي هذا المجال يجب إيجاد نوع من التعاون بين كل من الدول المستضيفة، والدول الأصلية أي المهاجر منها، بحيث تقوم الأولى بترتيبات إجراءات العودة وتتعهد الثانية باستقبال العائدين وتوطينهم. 2 ان عمليات إعادة توطين اللاجئين لا تقع مسؤوليتها بين المنطقتين المهاجر منها والمهاجر إليها فقط، إنما يجب ان تكون هناك مساهمات مشتركة من المجتمع الدولي بحيث تتولى عمليات إعادة التوطين منظمات دولية وهيئات تعد خصيصا لذلك. 3 تشجيع الدول المعنية لإيجاد حل سلمي لهذه المشكلة، لأن الواقع الاجتماعي والجغرافي والبشري، الذي يتمثل في عدم وجود فواصل طبيعية بين غالبية الدول الأفريقية، إلى جانب التداخل البشري والاجتماعي، يتيح فرصا واسعة لاتخاذ مواقف أكثر إيجابية حيال هذه المشكلة، خصوصا فيما يتعلق بخدمة اللاجئين في مجال توفير المأوى المناسب لهم، فضلا عن توفير مواد الإغاثة من المؤن الغذائية والأدوية العلاجية وغيرها مما يحتاجه اللاجئون في هذه المرحلة. 4 ان تساهم الدول الأفريقية بشكل مستمر في تحمل نفقات إعادة وتوطين اللاجئين. 5 العناية على وجه الخصوص بتعليم اللاجئين وأولادهم بقدر المستطاع، ويمكن ان ينشأ من أجل ذلك مكتب خاص لتولي هذا الأمر. * مدير المكتب التنفيذي للهيئة العليا للبوسنة والهرسك بالرياض