يواجه العديد من رجال الأعمال العازمين على الدخول في معاملات اقتصادية مع بعضهم البعض مسألة تكييف هذا التعامل وضبطه وحفظ حقوق أطرافه، ويأتي في هذا السياق اختيار الكيان القانوني للشركة التي يزمعون تأسيسها بحيث تحمي بنودها مصالحهم الخاصة والمشتركة، وتفي باحتياجاتهم، وتلائم أوضاعهم القانونية والمتفاوتة. ولما كان نظام الشركات قد نظم ثمانية انواع من الشركات، فإن اختيار اي منها من قبل العازمين على تكوين شركة يجب ان يتم وفق رغباتهم وامكانياتهم واعمارهم إلى آخر ذلك من الاعتبارات الشخصية، فالقدرة المالية وحدها لا تكفي لاختيار نوع الشركة وليست هي العامل الرئيس في الاختيار. وقبل هذا ، فإن المشاركة أياً كانت، لا يجوز أن تتم شفاهة أو بناء على الالتزامات الأدبية المسنودة بالشهامة والمبادئ الأخلاقية، لان في ذلك ضياعا للحقوق وسبباً للمشاحنات والعداوات، فالنسيان من صفات الإنسان، ولهذا أمرنا جل جلاله ان نكتب الدين المؤجل فما بالك بحقوق والتزمات مشاركة قد تدوم سنوات تتغير فيها الأحوال وتتبدل، ويهرم فيها الشريك ويموت. لهذا عرَّفت المادة الاولى من نظام الشركات الشركة بأنها عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو من خسارة . وعليه فإن اي شركة لا تنشأ بطريق العقد لا تنضوي تحت مظلة نظام الشركات سواء تلك المسماة في النظام أو أية شركة أخرى، بل ان النظام اعتبر الشركات العقدية التي لا تتخذ أحد الاشكال المذكورة في النظام، اعتبرها باطلة باستثناء الشركات المعروفة في الفقه الاسلامي وتحت طائلة المسؤولية التضامنية للاشخاص الذين تعاقدوا باسمها عن الالتزامات الناشئة عن هذا العقد. ومن هنا ، ولكي يتمتع الشركاء وشركتهم بالحماية القانونية فإن عليهم توثيق اتفاقهم في عقد أولا وان يتخذ الكيان القانوني للتعامل ثانيا، شكل شركة تضامن او توصية بسيطة او محاصة او مساهمة او توصية بالاسهم او مسؤولية محدودة أو ذات رأس مال قابل للتغيير او شركة تعاونية. وبودي التنويه في هذه الملامح إلى ان ان هناك ظنا شائعا لدى رجال الاعمال بانحصار حصص الشركاء في الحصص النقدية او العينية، وقد يكون مرد ذلك إلى العقود النموذجية أو الاعراف السائدة، إلا ان النظام كان متطوراً جدا في هذا المجال فأجاز ان تكون حصة الشريك مع بعض الضوابط حق ملكية او حق منفعة او اي حق آخر من الحقوق التي ترد على المال، او عملا إلى درجة ان النظام اجاز ان تكون حصة الشريك في الشركة حقوقا له لدى الغير مع شرط واحد وهو ألا تبرأ ذمته تجاه الشركة إلا بعد تحصيلها. وأتمنى على الجهات المسؤولة عن تطبيق نظام الشركات ان تفعِّل هذا النوع من المشاركات لتندمج الحصص النقدية او العينية مع حصص الملكية الفكرية في كيان قانوني يرفد الاقتصاد الوطني ويحقق طموحات ولي الأمر. والملمح الآخر الجدير بالذكر، هو ان النظام وان أبطل الاتفاق على حرمان احد الشركاء من الربح أو على اعفائه من الخسارة، إلا انه اجاز فك الارتباط بين مقدار الحصة في رأس المال ومقدار الحصة من الارباح، بحيث أجاز الاتفاق بين الشركاء على اقتسام الارباح بالطريقة التي يقرونها دون اعتبار لحصصهم في رأس المال، ولم يتدخل النظام إلا في حالة سكوت عقد التأسيس عن حسم هذه المسألة، فقرر انه إذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشريك في الربح كان نصيبه في الخسارة معادلا لنصيبه في الربح والعكس صحيح، وإذا لم يعين عقد الشركة نصيب الشريك في الارباح او في الخسائر مطلقا، كان نصيبه منها بنسبة حصته في رأس المال. هذا الملمح يجعله الكثيرون من الشركاء ممن تفوق مساهماتهم الفكرية حصصهم النقدية او العينية، ويشعرون بالاجحاف عندما تتساوى حصتهم من الربح مع شركائهم الآخرين، وقد يحجمون عن المشاركة لهذا السبب، مع ان في النظام يسراً وأي يسر.