رغم أني لم أشهد بداية انطلاقة الجنادرية المهرجان الوطني للتراث والثقافة التي بدأت قبل حوالي خمسة عشر عاما إلا أنه خلال السنوات الثلاث الماضية والتي تمثل مدة اقامتي بهذا البلد الآمن المستقر رايت في الجنادرية أنموذجا لتلاقح ومزج أصالة الماضي مع حداثة الحاضر لتبتدع لنا نسيجا مميزا قلما نجد نظيره في عصرنا الحاضر. لقد عكست فعاليات الجنادرية السابقة بصورة عامة والجنادرية 16 بصورة خاصة مدى اعتداد وتمسك المواطن السعودي بتراثه وماضيه فمن ليس له ماض ليس له حاضر لأن التمسك بتراث الآباء والأجداد دليل على الوفاء والاخلاص كما أنه يمثل امتدادا للتواصل بين الأجيال لأخد العظات والعبر اضافة لحفظ تراث الأجداد تقديرا واحتراما لما قاموا به من أعمال جليلة. والجنادرية بالاضافة الى كل ذلك تعد احدى أهم حلقات التواصل والتلاقح الفكري والثقافي بين المفكرين السعوديين من جهة والمفكرين العرب والمسلمين من جهة أخرى متمثلا ذلك في الأنشطة الفكرية والثقافية التي تقام ضمن فعاليات الجنادرية والتي يشارك فيها مفكرو العديد من الدول العربية. أضف الى ذلك فإن الجنادرية لم تغفل مشاركة المرأة العربية والخليجية طوال الخمسة عشر عاما الماضية إذ وطوال تلك الفترة قامت بابراز كافة أوجه الحياة الاجتماعية والتراثية للمرأة السعودية والعربية. وتجلت قمة الاهتمام في رعاية سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لفعاليات الجنادرية نيابة عن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله إذ قام سمو ولي العهد بتوجيه جل اهتمامه لفعاليات الجنادرية بل وتقدم أصحاب السمو الأمراء مشاركا اياهم العرضة السعودية. وأكثر ما نال اعجابي هذه العرضة التي تابعتها بكل اهتمام لأنها ليست مجرد رقصة واستعراض فقط بل تعد احد مظاهر الفروسية والبطولة لأنها كانت تمارس في الماضي استعدادا لخوض المعارك والحروب من أجل حماية الأرض والعرض والدفاع عن حمي القبيلة. أما القرية الشعبية والتراثية بالجنادرية فتدل على مدى تمسك الشعب السعودي بتراثه واعتزازه به وهي من الروعة بحيث تعجز الكلمات عن وصفها ولقد تعرفت خلالها على الكثير من الأوجه التراثية والشعبية السعودية والتي كنت أجهلها. والعرضة السعودية تذكرني بالعرضة السودانية ودق النحاس واللتين يمارسهما عدد غير قليل من القبائل السودانية ويقوم من خلالها فرسان وابناء القبيلة المعنية بابراز مهاراتهم ومقدرتهم في الدفاع عن أرضهم وعرضهم وهي احدى مظاهر الفروسية في سوداننا الحبيب. ولعل المشاركات التواصلة للمفكرين السودانيين خلال فعاليات الجنادرية السابقة اضافة الى مشاركة الهجانة السودانية في الجنادرية 16 كل ذلك يؤكد لنا مدى التواصل بين الشعبين السعودي والسوداني وما يجمعهما من علاقات والتي أقل ما توصف به أنها أزلية ويكفي ما يربط بيننا من عرى الدين واللغة ووحدة الهدف والمصير, وأنا كواحد من آلاف السودانيين المقيمين بهذه الأرض الطاهرة المباركة التي شرفها الله تعالى بخاتمة الرسالات رأيت أن لابد من كلمة حق أقولها: فلقد لمست مدى التقدير الكبير والأريحية التي قوبلت وما زالت تقابل بها المشاركات السودانية في الجنادرية سواء كان على مستوى الجالية السودانية أو المفكرين السودانيين ولعلنا افتقدنا هذا العام مشاركات عدد منهم أبرزهم البروفسير عبدالله الطيب الحائز على جائزة الملك فيصل خلال العام الماضي والذي ندعو له بالشفاء، والمفكر الاسلامي الشيخ الضرير والأستاذ فراج الطيب رحمه الله والدكتور حسن مكي وغيرهم من الذين أثروا الفعاليات الثقافية للجنادرية. هذه كلمات قلائل رأيت أن أخص بها جريدة الجزيرة نسبة لتغطيتها المتميزة لكافة فعاليات الجنادرية. ولا يفوتني أن أهنىء اللجنة العليا للمهرجان التي بذلت جهودا جبارة حتى جاء هذا المهرجان في ثوب قشيب وبهيج فهنيئا للشعب السعودي بهذا الابداع وهنيئا للشعب السعودي وهو يرفل في الأمن والاستقرار في ظل قيادته الرشيدة. مع خالص شكري وتقديري للجميع. إيهاب وهبه مكي إبراهيم