جاء عنوان الفصل الثامن من الكتاب المتحدّث عنه: سقوط إمارة الرياض ونهوض إمارة جبل شمّر , وقد بدأه بالكلام عن الانقسام بين أبناء الإمام فيصل بعد وفاته؛ مورداً ما قاله كل من بالجريف وفيلبي عن شخصيتي المتنافسين من أولئك الأبناء، عبدالله وسعود، ومكمن قوة كل منهما, ثم أشار إلى ظروف الاحتكاك بين عبدالله، الذي خلف أباه في الحكم، وبريطانيا من خلال نفوذها في جهات معينة من الخليج, وواصل كلامه عن النزاع المستمر بين عبدالله وأخيه سعود؛ قائلاً: إنه قد نشأ تحالف بين سلطان مسقط وحاكم أبو ظبي وسعود ضد عبدالله, وأشار إلى خروج منطقة الأحساء والقطيف من الحكم السعودي لصالح الدولة العثمانية، وإلى ما حدث في جبل شمر من تطورات بعد وفاة أميره طلال بن عبدالله بن رشيد إلى استتباب الأمر لمحمد بن رشيد, وما قاله عن هذين الأمرين متفق، بدرجة كبيرة، مع ما ذكرته المصادر المتوافرة، وتلخيص لبعض ما اشتملت عليه من معلومات, على أن مما ذكره عن نشأة الملك عبدالعزيز ما يحتاج إلى إعادة نظر, فقد قال (ص238): إنه تمكن من قراءة القرآن في الحادية عشرة من العمر, وفي الرابعة عشرة عندما كان أبوه يقيم في المهجر في الكويت بدأ عبدالعزيز دراسة الفقه والعلوم الدينية الأخرى بصورة جادة تحت إشراف عبدالله بن عبداللطيف، الذي اصبح فيما بعد القاضي الأول للرياض ومفتيها . والكلام السابق يحتمل أمرين: الأول أن عبدالعزيز كان مع أبيه في الكويت وبالتالي فإن الشيخ عبدالله كان، أيضاً، معهما في تلك البلدة, والثاني أن عبدالعزيز لم يكن مع أبيه في الكويت وانه كان في الرياض يدرس على الشيخ في هذه البلدة, والمعروف ان عبدالعزيز كان مع أبيه في الكويت، وأن الشيخ عبدالله بقي في الرياض بعد خروج عبدالرحمن بأسرته منها. وجاء حديث فاسيلييف عن توسع حكم محمد بن رشيد في نجد جيداً في عمومه, وكان مما قاله عن خليفته في الإمارة، ابن أخيه عبدالعزيز بن متعب، بصفة خاصة وإمارة آل رشيد بصفة عامة ما يأتي: ورث الحكم عن محمد ابن أخته (ولعل هذا خطأ من المترجم؛ إذ إن عبدالعزيز بن متعب ابن أخي محمد)، الذي كان محارباً باسلاً,, يجيد استخدام السيف أكثر ما يجيد السياسة,, وفي غضون عشر سنين بدأ القسم الأكبر من الإرث الذي خلفه له خاله (عمه) الجبار, ولم تستطع إمارة جبل شمر أن تلعب دور الدولة الموحدة المستقرة, فهي تستند إلى قبيلة شمر, ولذا اعتبرها سائر السكان أداة سيطرة اتحاد قبلي واحد على القبائل الأخرى وليس سلطة لعموم الجزيرة العربية تتجاوز الأطراف القبلية, وفي أواخر القرن التاسع عشر وقعت إمارة اجبل شمر في تبعية متزايدة للإمبراطورية العثمانية، فغدت وسيلة لنقل النفوذ العثماني إلى شبه الجزيرة, ولذلك فإن تذمر واستياء أعراب الجزيرة من حكم الأتراك شملا أمراء حائل أيضاً . وقد أنها فاسيلييف الفصل الثامن بالكلام عن تنافس الدول على الخليج في مطلع القرن العشرين وارتباط ذلك بالوضع في الجزيرة العربية, وكلامه، هنا، جيد منسجم مع ما توافر من معلومات أوردتها المصادر المختلفة. أما الفصل التاسع من الكتاب فعنوانه بعث إمارة الرياض في مطلع القرن العشرين , وقد مهد المؤلف لحديثه في هذا الفصل بقوله: في مطلع القرن العشرين نشأ في الجزيرة العربية من جديد وضع ملائم لبعث إمارة الرياض, فإن سلطة حائل كانت قائمة على القوة العسكرية لقبيلة شمر وحلفائها وعلى مساعدة الاتراك, ولكن تأييدها من جانب سكان نجد كان يتقلص باطراد, وأخذت بريطانيا تتدخل في شؤون الجزيرة سعياً منها إلى إضعاف اعتماد الإمارات المحلية فيها على الباب العالي وإخضاعها للحماية البريطانية في آخر المطاف, وغدت عائلة آل سعود، التي استقرت في الكويت، مركز جذب طبيعياً لجميع النجديين المتذمرين من حكم آل رشيد . ولعل ما تجدر الإشارة إليه وقد ورد في الكلام السابق ذكر لسعي بريطانيا إلى إخضاع الإمارات المحلية لحمايتها البحث القيم الذي كتبه الزميل الدكتور محمد الثنيان عن محاولات الأمير عبدالعزيز بن رشيد الحصول على معاهدة حماية بريطانية شبيهة بتلك التي عقدتها بريطانيا مع الشيخ مبارك بن صباح. وبعد ذلك التمهيد تحدث فاسيلييف عن استيلاء الملك عبدالعزيز على الرياض؛ مشيراً إلى ما حدث قبل هذا من غزو الشيخ مبارك بن صباح مع حلفائه لنجد, وقد نقل عن آداموف، قنصل روسيا في البصرة، قوله (ص249): حقق الجيش الكويتي نصراً، وتمكن من الاستيلاء على الرياض نفسها، ومن هناك تحرك مبارك ظافراً نحو حائل عاصمة آل رشيد . وما نقله المؤلف عن ذلك القنصل مثل لما قد يرد في تقارير القناصل وغيرهم، أحياناً، من عدم الدقة في رصد الأحداث, ذلك أن من الثابت عدم اقتراب الشيخ مبارك من الرياض؛ ناهيك عن الاستيلاء عليها, وما حدث فعلاً هو أن عبدالعزيز بن عبدالرحمن (الملك عبدالعزيز) انفصل مع حوالي ألف من المقاتلين من الجيش الرئيسي في مكان يقال له الشوكي, وتمكن من دخول الرياض بأولئك الرجال، لكنه لم يتمكن من الاستيلاء على قلعتها، التي تحصن فيها قائد قوات ابن رشيد، عبدالرحمن بن ضبعان وليس عجلان كما ذكر فاسيلييف . أما الشيخ مبارك ومعه الإمام عبدالرحمن بن فيصل فواصل تقدمه من الشوكي نحو القصيم حيث هزم هزيمة ساحقة في معركة الصريف المشهورة. وحديث فاسيلييف عن دخول الملك عبدالعزيز الرياض واستعادتها للحكم السعودي، ثم عما وقع من مواجهات عسكرية بينه وبين خصمه الأمير عبدالعزيز بن رشيد وابناء حمود العبيد، الذين انتزعوا الإمارة من ابنه متعب، حديث متفق، في غالبه، مع ما أوردته المصادر الأخرى وإن كان فيه بعض الهنات التي لا تستحق الوقوف عندها كثيراً, على أنه ذكر (ص286) أن الملك عبدالعزيز اتفق مع المعتمد البريطاني في الكويت, سنة 1911 (1329ه)، على أن يتخلى عن كل الإدعاءات في مسقط وعمان، وتقرر أن يسيطر على الأحساء والقطيف وجزيرة دارين ومرفأ العقير، وأن يحول الإنجليز دون تدخل أية دولة من جهة البحر, ومقابل ذلك كان يتعين على ابن سعود ان يعترف بالحماية البريطانية على إمارته وألا يدخل في حرب بدون موافقة الحكومة البريطانية . والذي يترجح من الوثائق والدراسات العلمية أن الملك عبدالعزيز طرح فكرة إخراجه الأتراك من الأحساء لو تعهدت بريطانيا بحمايته من هجمات بحرية, لكن لم يحدث اتفاق بين الطرفين حول الأمور المذكورة آنفا في السنة المشار إليها، وإنما حدث ذلك سنة 1915م، أي بعد إخراج الملك عبدالعزيز للحامية التركية من الأحساء وتوحيده تلك المنطقة بعامين تقريبا. وعند تحدث فاسيلييف عن حركة الإخوان قال (ص270): وفي تلك الاثناء ظهرت في نجد حركة الإخوان: ومن المستبعد أن يكون عبدالعزيز من واضعي فكرة الإخوان أو من مؤسسي هذه الحركة, فإن المؤسسين الروحيين للحركة هم قاضي الرياض عبدالله بن محمد بن عبداللطيف من آل الشيخ وقاضي الأحساء الشيخ عيسى والمدعو عبدالكريم المغربي الذي وصل إلى الجزيرة العربية في أواخر القرن التاسع واستقر في منطقة صارت فيما بعد هجرة الأرطاوية . واستبعاد المؤلف أن يكون الملك عبدالعزيز من واضعي فكرة الإخوان أو من مؤسسي حركتهم أمر غريب لا يستند على أي مصادر موثوقة, وليس مهماً أن يخطئ المؤلف بسلسلة نسب الشيخ عبدالله، الذي كان والده عبداللطيف لا محمداً، ولكن من الجدير بالذكر أن حركة الإخوان بدأت قبل أن تصبح الأحساء تحت حكم الملك عبدالعزيز, وما قيل، هنا، عن مشاركة الشيخ عيسى (بن عكاس) في وضع فكرته أمر بعيد الاحتمال, أما المدعو عبدالكريم المغربي فلا ذكر له في المصادر المحلية الموثوقة, والذي تدل عليه مقارنة المصادر والتدبر في سير الأحداث أن الملك عبدالعزيز نتيجة لبعد نظره وتدبره سيرة أسلافه مع البادية وسيرتها معهم كان المفكر الأول والمنفذ الرئيسي لتلك الحركة لأهداف متعددة أوضحتها الدراسات العلمية الجادة. ولقد خالف فاسيلييف الواقع بادعائه (ص273) : أن الإخوان لم يشربوا القهوة لأنها لم تكن معروفة في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم), وختم الفصل التاسع من كتابه بالكلام عن توحيد الملك عبدالعزيز للأحساء؛ قائلاً في نهايته: كان المسؤولون في الآستانة يدركون بأنهم فقدوا السيطرة الفعلية على نجد والأحساء رغم المعاهدة مع بريطانيا بشأن اقتسام الجزيرة العربية ورغم تعهدات ابن سعود الشفوية بولائه للسلطان, ولذلك أخذت السلطات العثمانية تعمل على تقوية جبل شمر حيث وعدوها، مثلا، بتقديم عشرة آلاف بندقية وأغذية ونقود, واقتنع عبدالعزيز، مرة أخرى، بأن الأستانة تعول على حائل، وأن الخطر التركي المحتمل على إمارة الرياض لا يزال قائما . وإلى هنا يصل كاتب هذه السطور في قراءته لكتاب فاسيلييف، الذي أوضح نظرته الإجمالية إليه في أول حلقات القراءة؛ آملاً أن يكون في هذه القراءة ما هو مفيد. والله ولي التوفيق.