يعتقد الكثير من أدعياء الشعر أن أهم ما يجعل من الشاعر شاعرا هو قدرته على إقامة الوزن، وهذا -وللأسف- هو الفهم الخاطئ الذي سبب كثيراً من الفوضى للشعر ولمنتجه ولمتلقيه. وبما أننا نحن العرب أمة صوتية فقد اخترع مبدعو هذه الأمة -ولله الحمد- نظاماً إلكترونياً يسهم في نشر العدوى الشعرية للمستشعرين، ويوفر عليهم ما كانوا يصرفونه من أموال مقابل شراء القصائد، كما ساهم هذا النظام في تعليم الشعر الشعبي لغير المتحدثين باللهجات الشعرية، فقد أصبح بإمكان الهنود والبنغال وأيضا الأطفال فكراً وسناً، أن ينتجوا هذا اللون من الشعر الذي سوف يسهم في حل كل القضايا، فما على الشاعر سوى الدخول إلى موقع قصيدتي وسيصبح شاعراً عظيماً يشار له باليد وبكل الأصابع. أقول هذا وقد وجدت بالصدفة إعلاناً لأحد المواقع الذي يظن أنه محترم، كما يظن أنه قد خدم الشعر والشعراء ومستهلكي الشعر، حينما هداهم لما ضل منهم، حيث ما عليك إلا اختيار البحر والقافية والغرض وسوف تجد نظاماً يستبدل مشاعرك بمشاعره، بل سوف ينجدك بكل القواميس، خاصة قواميس الاستجداء، تلك التي تدخل -تسهيلاً لهضمها- تحت غرض المدح. نعم إن من يتصور أن هذا هو الشعر، وبهذه السهولة، لا يمكن أن يكون شاعراً، فمن يعرف كيف تأتي القصيدة، لا يمكن أن يعتقد أن هذا هو الشعر، فما الوزن والقافية إلا جسد الشعر، أما روحه فشيء مختلف تماماً، ولهذا يعتبر شعر الحكماء والفقهاء والشعر التعليمي دخيلاً على الشعر، وقاصرا عن بلوغ مكانته وتأثيره، ولهذا أبعد هذا النوع من الشعر من الدراسات الأدبية. يقول الشاعر الكبير سعد بن جدلان: ياللي تقول الشعر فتحة وكسرة يقول فكرك مقدي وأنت مقديت اسرح نهارك وإن ضوى ليلك اسره وتعود من بحر الشعر مثل ما جيت أحلى بيوت الشعر سهلة وعسرة عسرة على الإبداع سهله ليا أوحيت يضرب بها هوج الدواوين جسرة ماهيب لامن جاب بيت سقط بيت