يردد الناس والإعلام وكثير من الاقتصاديين أرجوزة التجار المكررة في إعادة تقييم الريال ورفعه أمام الدولار أو ربطه بسلة عملات مؤملين بأن ترفع السلة قيمة الريال الشرائية. ورفع قيمة الريال السعودي بالنسبة للعملات الدولية ذو كلفة عالية ستدفعها إيرادات الدولة على حساب تقليص المشاريع الإنمائية للبلاد، بينما سيحصد التجار معظم ثمرة تعديل سعر الصرف وخصوصاً تجار التجزئة المستوردين، الذين لن يعكسوا ارتفاع قيمة الريال على أسعار مبيعاتهم محلياً طالما أن سلعهم ليست تنافسية محضة. وأما المواطن ذو الدخل المحدود -الذي يُطالب باسمه أن ترفع قيمة الريال - فلن يستفيد من رفع قيمة الريال بشيء إلا بهامش ضئيل، لأنه يصرف كل دخله محلياً وعلى بضاعة محلية غالبة، ونسبة ما يذهب من مصروفاته في مواد مستوردة تنافسية محضة هي نسبة لا تكاد تذكر، كما أن غالب السلع التنافسية هي سلع مدعومة من الدولة أصلاً. أصل الأسطورة هو أن الريال مرتبط بالدولار والادعاء بأن الدولار يفقد قيمته أمام العملات، وهذا غير صحيح. فمنذ عام 2005 إلى البارحة كان متوسط تدهور القيمة الشرائية للدولار أمام الذهب (21.1%) وهي الأقل بين معظم العملات، وهي أقل من اليورو (21.9%) وأقل بكثير من الجنيه البريطاني (25.4%) وأقل من الين الياباني (24.78%) - لو أننا أخرجنا عام 2008، الذي ارتفع فيه الين الياباني أمام الذهب بشكل جنوني (-14.4%) www.goldprice.org. والذهب إذا ما استخدم أمام العملات فهو مقياس دقيق لقيمة العملات الشرائية لأنه يتم عزل المؤثرات الأخرى كالطلب والعرض والمضاربات لأنها تجري على الذهب نفسه وتنعكس آثارها على العملات جميعها فيبقى لنا اختلاف القوة الشرائية للعملات فقط. وبالمختصر المفيد، فلو أننا ربطنا الريال في عام 2005 بعملة غير الدولار أو بسلة عملات (اليورو والجنيه البريطاني والدولار والين والروبية الهندية) لكان الريال اليوم أضعف بالقوة الشرائية منه الآن. فلا أصل إذن للصياح والتباكي من جماهير الاقتصاديين والإعلاميين والادعاء بأن الربط بغير الدولار أو بسلة عملات يقوي الريال. (وعلى كل حال فالربط بسلة العملات يخفف من التذبذب وهذا موضوع خارج مسألة اليوم). وأما رفع سعر الريال أمام الدولار فهو غنيمة باردة يفوز بها التاجر وتدفعها الدولة بلا مردود على المواطن. فرفع سعر الريال سيخلص القطاع الخاص من مسؤولية رفع رواتب موظفيه، ورفع سعر الريال لن يغير الأسعار السائدة ولن يوقف تواصل التضخم، فصاحب العقار لن يخفض الإيجار وبائع قارورة الماء كذلك، ولن تنخفض إلا أسعار السلع المستوردة التنافسية المحضة وهي قليلة جداً ولا تشكل وزناً في ميزانية المواطن العادي أو في الصناعة المحلية، فقوة الريال إذن ستنعكس على شكل فوائض مالية يحولها التجار إلى استثمارات خارجية تدفعها احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي. لذا فالاتجاه الصحيح هو أن ترفع الدولة رواتب موظفيها فقط بمقدار التضخم والقطاع الخاص سيتبع الدولة لا محالة. وبرفع الرواتب مقدار التضخم فلن يزيد الطلب العام بل سيحافظ على مستواه، فهو إذن لن يخلق تضخماً كما يشاع هنا وهناك، ولن يستطيع التاجر استغلال الزيادة لأنها ليست عن طريق رفع قيمة الريال وزيادة الرواتب ليست زيادة حقيقية بل هي تعويضية لنقص القوة الشرائية بسبب التضخم. يعود جزء من ارتفاع أسعار النفط إلى تدهور قيمة العملات بسبب زيادة إصدارها، فالنفط كالذهب، سلعة حقيقية تعكس قيمة الفلوس الورقية. وإن مما سكت عنه أن هذا النوع من التضخم النقدي هو ضريبة حكومية غير مرئية، لذا فمن العدل إرجاعها إلى المواطن، وأمثل الطرق وأكثرها استغلالاً اقتصادياً لمصلحة المجتمع في حالة الاقتصاد السعودي هو عن طريق رفع رواتب موظفي الدولة بمقدار التضخم الحقيقي فقط.