يعود التضخم عادة لسببين، إما لارتفاع كلفة الإنتاج ويدخل فيه النقل والضرائب والتأمين ومن ثم تحميلها للمستهلك الأخير، أو لقلة المعروض في السوق وعدم تناسبه مع حجم الطلب العالي نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة، ولو عدنا لوضع سوقنا السعودية حالياً لوجدنا ان السبب الأول للتضخم هو المسيطر، نظراً لارتفاع أسعار النفط وما تبعه من ارتفاع الكلفة على المنتجين في الخارج، فانعكست بدورها على سوقنا في الداخل، إضافة الي ان السبب الثاني موجود بشكل او بآخر لان تأثر المنتجات الزراعية بالاوبئة وقلة المنتجات، جعل من الصعب زيادة عرضها في السوق، فكانت سبباً إضافياً للتضخم في سوقنا التي يتميز مستهلكوها بقدرة شرائية جيدة، مقارنة بدول أخرى ويقتصر تأثير السبب الثاني على المواد الغذائية فقط التي لا يمكن زيادة عرضها مباشرة. وبحسب تقرير مصلحة الاحصاءات العامة الذي صدر الاسبوع الماضي، فإن ارقام التضخم في المملكة هي الاعلى خلال سبعة أعوام ، فالغلاء يجتاح كل شيء في السوق تقريباً، بدءاً من العقار الى الغذاء الى القهوة الى الالبان ومنتجاتها، وهو ما يجعل الضغظ مضاعفاً على"محفظة"المواطن الذي يجب ان يتحمل كل شيء، لأن المنتجين نقلوا الاعباء كلها الى"محفظته"المتواضعة التي اصبحت تئن تحت وطأة زيادة المصاريف والاعباء. وعلى رغم ان الغلاء ظاهرة عالمية، الا انها تترافق في سوقنا مع غياب شبه تام لرقابة الاسواق، ما جعل التجار يرفعون الاسعار من دون خوف من رقيب، تزامناً أيضاً مع ضعف الثقافة الشرائية لدى المستهلك السعودي والعادات الاستهلاكية التي تعود عليها ويرفض تغييرها او التقليل منها، ومن هنا جاءت مطالبات الكتاب والمثقفين لتصب الزيت على النار، وتطالب بزيادة في الرواتب والأجور، ولو اطاعتهم الحكومة والقطاعات الخاصة، فإن التضخم لن يتوقف، لأننا سندخل حينئذ في ظاهرة التضخم الحلزوني spiral inflation، لأن زيادة الرواتب هي جزء من زيادة تكاليف الانتاج، ما يجعل التجار يرفعون اسعار منتجاتهم بمقدار زيادة الرواتب ويدخل العاملون في مرحلة ما يسمى بالخداع النقدي money illusion وهي ان رواتبهم الاسمية التي يتسلمونها في نهاية الشهر زادت ويظلون لفترة يتغنون بالزيادة، ليكتشفوا بعد فترة ان الزيادة رافقتها زيادة في السعر، بمعنى ان اجورهم الحقيقةreal wage ، لم تتغير ولم تزد قدرتها الشرائية، بل وربما زادت الاسعار بما يفوق زيادة الرواتب، فهم اسوأ بلا شك بعد زيادة الرواتب، فيعودون للمطالبة مرة أخرى بزيادة اخرى بعد اكتشافهم ظاهرة خداع النقود، وان استهلاكهم الحقيقي وقدرة النقود الشرائية لم تتغير، فتنشأ هنا ظاهرة ما يسمى ب?"التضخم الحلزوني"الذي لا يتوقف، وهي ظاهرة عالمية معروفة ومشاهدة، فعلى سبيل المثال بلغ التضخم في دولة مثل زيمبابوي مليوناً في المئة، ويعود جزء كبير منه لما يعرف بالتضخم الحلزوني، وان اختلفت مسببات نشوئه خفضت الحكومة هناك سعر صرف الدولار الزيمبابوي بمقدار 98 في المئة في نيسان ابريل الماضي، واصبح الدولار الاميركي الواحد يساوي 15 الف دولار زيمبابوي بدلاً من 250 دولاراً قبل خفض سعر العملة ? في حين ان اعلى معدل للتضخم في العالم سجل في ما يعرف بيوغسلافيا السابقة وبلغت نسبته 313 مليوناً في المئة عام 1994 ابان نظام الرئيس السابق سلوبودان ميلوسوفيتش. ان المطالبة بزيادة الرواتب مرة أخرى، ليست الحل الناجع للتضخم في المملكة، بل ان دعم السلع الأساسية والغذائية على الأخص ربما يكون حلاً جزئياً لمشكلة التضخم وتخفيف الأعباء على المواطن، كما ان خفض او إلغاء بعض الرسوم التي يدفعها المواطن للجوازات والاستقدام ورخص السير ورخص المركبات ورخص البلديات، هو الحل الانجح ? من وجهة نظري- لتخفيف الكلفة على المواطن وبما لا يغري التجار برفع اسعار منتجاتهم، لأن هذه الرسوم قصد من فرضها رفد موازنة الحكومة حينما كانت تمر بعجوزات كبيرة، ولكنها اليوم ليست بحاجة كبيرة لهذه الرسوم، التي سيكون في تخفيفها وإلغاء بعضها عون للمواطن لمواجهة الغلاء المستورد الذي تسبب فيه شح جانب العرض العالمي وربط الريال بالدولار الذي يقف في اضعف حالاته امام العملات الصعبة الأخرى.