إن من افدح الخطوب، وأحرج المواقف أن تبتلى الأمة بفقد عَلَم من أعلامها، وإمام هدى من أئمتها الذين يهدون إلى الصراط المستقيم، ويذودون الامة عن طريق الجحيم, ففقد هؤلاء الأعلام لعمر الله أعظم من فقد الآباء والبنين والأخلاء والاقربين, فهم أعلام هدى وائمة تقى. ولكن قضى الله تعالى أن لا بقاء إلا له سبحانه ولا بقاء لأحد من خلقه مهما عظمت مكانته وجلت كرامته عند الله تعالى، بل حتى أفضل الخلق وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام قد قضى الله عليه بالفناء: (أفإن مت أفهم الخالدون)؟! وإذا تبين هذا الأمر وهو بائن، واتضحت هذه السنة وهي ماثلة لمن كان له قلبٌ, فهناك حينئذٍ سؤال يلح علينا في طرح نفسه: هل هؤلاء الائمة الأعلام والصالحون الكرام نماذج لن تتكرر على مر السنين؟ وإذا كان الجواب بلا وأنه يمكن أن يأتي من يخلفهم ويشابههم ويسير على سننهم فالسؤال المطروح: ما دورنا نحن نساء الأمة في هذا الأمر، أعني في سد هذه الثلمة وتعويض الأمة؟ أليس فينا مَن تود وتأمل أن يكون ابنها كابن عثيمين رحمه الله؟ فماذا فعلنا لنحقق هذا الهدف؟؟ وأي تربية نحن نربي عليها أبناءنا؟ وهل هذه التربية التي تربي الكثيرات بنيها عليها أعني تربية الترف والدلال هل هذه التربية ستوصل البنين إلى المعالي؟ وهل تركهم بأيدي الخادمات، واصطناعهم على أعين القنوات سيخرج لنا أمثالاً لابن عثيمين؟ لا أعتقد هذا,, بل أجزم باستحالته والعلم عند الله تعالى. إننا كنساء ينبغي أن نراجع أنفسنا وننظر أي تربية نحن نربي أولادنا عليها. إن شخصية فذة عظيمة كشخصية علامة الإسلام الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله لم تأت من فراغ، ولا من تربية هشة مترفة، بل أتت من خلال تربية إيمانية وجادة على حب العلم والعلماء، وحفظ القرآن الكريم، وحب الاجتهاد وترك الخمول، وترك الجري وراء شهوات النفس ومطامعها. إننا إن رُمنا بنين كابن عثيمين وكغيره من أئمة الهدى الصالحين فلا بد ان نبني تربيتنا ونؤسسها على تقوى من الله ورضوان, لا على جرف هارٍ ينهار بنا وبهم في حمأة الانحراف والفساد. وإن الأماني والطموحات الورقية التي ليس لها رصيد من الواقع هي رأس أموال المفاليس، ولم يبق وقت للتريث ولم يبق إلا العمل والاجتهاد. ولن تعقم أرحام نساء الامة بإذن الله عن مثل شيخنا الفقيد ابن عثيمين إن فهمنا هذا الأمر وسعينا له سعيه، وعلى الله قصد السبيل.