* تراثنا العربي ثروة انسانية رائعة,, محيط مهما اغترفت منه تزداد ظمأ وبحر لا ينتهي من الجمال والعذوبة. وللمرأة العربية فصول ممتدة في متون تراثنا وتاريخنا وهذا يفند المقولات المغرضة التي تتهم التاريخ العربي بظلم النساء ودفعهن وراء ستر الجهل والتخلف, وقراءة سريعة لمجلدات الاغاني لأبي الفرج الأصفهاني تطالعك قصص ظريفة عن نساء شهيرات مثقفات, اذا كان التعليم والثقافة تعني القراءة، ونظم الشعر والاستماع الى النغم الجميل فهن بلاشك نخبة حقيقية من المثقفات ومنهن علية بنت الخليفة المهدي، اخوها هارون الرشيد ذائع الصيت، كانت علية شاعرة وأديبة واجمل النساء واكثرهن ظرفا, الى جانب انها ذات عقل وصون,. كانت جبهتها واسعة فكان ان ابتكرت عصابة من الحرير مكللة بالجوهر لتستر جبهتها فكانت اول من استخدم تلك العصابة. لها ديوان شعر، وقصائدها فيها ابداع وصنعة ورغم ذلك كانت عندما تعوزها المعاني تأمر مولاها ابو حفص الشطرنجي ليقول نيابة عنها بعض القصائد يعبر بها عما تريد قوله. كان الشطرنجي مولى لبني العباس، نشأ في دار الخليفة المهدي وتربى مع أولاده وصار واحدا منهم وتأدب ودرس وتعلم مثلهم وكان شغوفا متفوقا بلعب الشطرنج حتى لقب به, ولما مات المهدي صار من موالي علية وكتب الأصوات تغنيها علية بصوتها العذب,, وأشهرها تلك التي تقول: تحبب فان الحب داعية الحب وكم من بعيد الدار مستوجب القرب اذا لم يكن في الحب عتب ولا رضا فأين حلاوات الرسائل، والكتب؟ وكان الرشيد يحب جاريته ماردة وعندما يسافر، كانت تأمر الشطرنجي أيضا ليكتب لها أبياتاً تعبر عن شوقها لسيدها,, ومن أشهر من غنى للشطرنجي ابراهيم الموصلي وغيره الكثيرون. وكان الرشيد يختار اجمل قصائد الشطرنجي ويدفع بها للمترنمين. غضب الرشيد يوما على أخته علية فأرادت مصالحته فأمرت شاعرها الخاص الشطرنجي فقال هذه الأبيات وغنتها الجواري أمام الرشيد: لو كان يمنع حسن العقل صاحبه من ان يكون له ذنب الى أحد كانت علية أبرأ الناس كلهم من ان تكافأ بسوء آخر الأبد مالي اذا غبت لم أذكر بواحدة وان سقمت فطال السقم لم اعد فبعث الى اخته واستحضرها وقبل رأسها وأقسم ألا اغضب عليك ما عشت. وقال للشطرنجي الرشيد يوما: يا أبا حفص لقد احسنت في بيتين هما: اذا سرها أمر وفيه مساءتي قضيت لها فيما تريد على نفسي وما مر يوم ارتجي فيه راحة وأذكره الا بكيت على أمسي وقد رثى ابو حفص نفسه قبل موته في علته الأخيرة بقصيدة طويلة: كن مستعدا لداعي الفناء فان الذي هو آت قريب ألسنا نرى شهوات النفوس تفنى وتبقى عليها الذنوب يخاف على نفسه من يتوب فكيف ترى حال من لا يتوب وكان الخليفة المتوكل مغرما بالحسناوات الشاعرات الأديبات ومنهن فضل الشاعرة وكانت حسنة الوجه والقد أديبة فصيحة سريعة البديهة، مطبوعة في قول الشعر ولم يكن في نساء زمانها اشعر منها وكانت تجلس في المجالس وتقول الشعر بداهة وكانت عريب تغني بصوتها الحسن أشعار فضل وكانت بنان من جواري المتوكل شاعرة فصيحة جميلة, أما قبيحة وهذا اسمها فكانت عكس ذلك في الحسن والدلال شاعرة مطبوعة تحتفل بعيد الفيروز وقدمت الى المتوكل هدية العيد,, وقد كتبت اسمه بالمسك ومحبوبة الشاعرة واحدة من الجهاز الثقافي الأدبي لدى المتوكل وغيرهن كثيرات فهل كن مطبوعات حقا في قول الشعر ام هناك العديدين مثل الشطرنجي يكتبون لهن. الله اعلم,, ولكننا نؤمن ان المرأة باحساسها المرهف خير من يقول الشعر الذي هو شعور ووجيب قلب وشفافية روح.