* قلة جداً من يجيدون الشعر الفصيح، وشعر النبط، في آن واحد، وربما كان للموهبة دورها في حياة الشاعر، منذ البدايات الأولى والجمع بينهما سيرة ومسيرة! * بداية: * أهدى إليَّ الشاعر الأديب اللواء/ عبدالقادر عبدالحي كمال ديوانه الأول من شعر النبط، الموسوم ب(جمرة الشوق) في [160] ص من القطع المتوسط اشتمل على [133] قصيدة من الشعر النبطي متنوع الأغراض ! * إشارة: * أزعم أنني من أوائل من تابع وقرأ شعر الشاعر الفصيح المنشور منه والمطبوع كواحد من المعجبين به، وكذا بحوثه الأدبية المنشورة في بعض الصحف والمجلات، ولم يدر بخلدي أنه من هواة الشعر النبطي، وممن يجيدون العزف على أوتاره بجدارة واقتدار حتى أطلعت على ديوانه النبطي (جمرة الشوق) المعني في هذه القراءة، والذي احتوى على العديد من القصائد النبطية راقية المستوى في أغراضها وأسلوبها وبحورها، والتي قد تشترك – أحياناً – في بعض مفرداتها مع أسلوب ومفردات الشعر الفصيح، وكأني به يريد المواءمة بين النوعين من الشعر سالكاً في ذلك مسلك رائد الشعر النبطي في الطائف (بديوي الوقداني رحمه الله) المتوفى قبل مائة عام تقريباً، والذي تغنى بشعره من حيث الجودة والحكمة من عاصروه ومن جاءوا بعده، إضافة إلى إجادته للشعر الفصيح، ونظم في مجاله العديد من القصائد، ظلت وما زالت على ألسنة القدامى والمحدثين، لقيمة مدلولها وأهدافها. وهو مدرسة في فنون هذا اللون من الشعر تخرج منها العديد من شعراء عصره. * أجل.. فلا غرابة أن يجمع شاعرنا بين الموهبتين ويبدع فيهما طالما سبقه قبل ذلك العديد من شعراء الفصيح. * نصوص شعرية: * أشرت في أكثر من قراءة كتبتها عن شعره الفصيح أن وجدانياته فيها من العذوبة والسلاسة وعمق المعنى ما يجذب القارئ إلى التفاعل معها مؤدى ومعنى.. ومعظم قصائد الديوان وجدانية وجاذبة (إبداعاً وفناً) نلمس ذلك في قصيدة (سفير الحب) ص (107). * والشاعر من أسرة طائفية مشهورة (علماً وخلقاً وديناً) ، عاش في كنفها [نشأةً وتعليماً] لذا فحب الطائف يتصدر رؤاه وحنينه أينما حلّ أو ارتحل، وفي قصيدة (سلام ياهل الطائف) ص (133) يرسل حنينه وأشواقه إليها وإلى بعض أحيائها – وأوديتها بعبارات تقطر شوقاً وحنيناً. تأكيداً لهذا الحب وتصديقاً للانتماء.. سلامي ياهل الطّايفْ مِنْ اعْلَى الطَود حتى السّيل سلام مْولّعٍ مُشتاقْ للدّيره واهاليها سلامي للعَرَبْ مِنْ تونس الخَضرا لنَهْر دْجيلْ سلام الود مِنْ قلبي لْحواضِرْها وْبواديها أنا لَى ذَعْذَع الغَرْبي ولوّحْ في الجنوب سْهيلْ (3) تهيّض خاطري وانْساح دَمْعي مِنْ مآقيها تذكَّرْت الصِّبا وانا على «المثْناةْ» أَجُرّ الذّيلْ (4) تساقيني منابعْها وتغريني مغانيها ألوذ بحضْنها وارْوي ظِمايْ بباردٍ مِنْ غيلْ وشفِّي في مجانيها ومَشْهاتي تدانيها حلاة العُمْر يوم انِّي على دَرْب الهَوَى والميلْ أسوق الرّوحْ لعَيونٍ تراعيني واراعيها * ويصف الشاعر في قصيدة بعنوان (حنين الربابة) كيف ودع قلبه من زمانٍ شبابه، وكيف طافت به ليالي العمر ودهاه المشيب بما فيه من علل وأسقام بعد حياة حافلة بالشباب والفتوة ص(55) . * خاتمة: * بعد قراءتي لجل قصائد الديوان فأنني أهنئُ الشاعر وأغبطه وأؤكد له أنه استطاع أن يدخل (ديوان شعر النبط) من أوسع أبوابه بكل جدارة واقتدار، وأن يقف في مصاف البارزين من رواده كما دخل من قبل (ديوان العرب) وكان من المبدعين والمتألقين فيه! ... ... ... (1) تغايا: لاح. (5) ساموح: عوائق، مصاعب، عراقيل. (3) ذَعْذَع الغربي: أي هب النّسيم الغربي بلطف. (4) المثناة: حيُّ من أحياء مدينة الطائف. (5) هيّض: أي حرّك شجوني. ** ** - علي خضران القرني [email protected]