انطلاقة قطار المشاعر حفزت العديد من الكتَّاب في الصحافة والإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني بشكل غير مسبوق ربما لأنه جاء بعد انطلاقة «مترو دبي» المذهل، في وقت حلم فيه ملايين السعوديين بشبكة قطارات واسعة وحديثة جداً تربط بين مدن المملكة بعد فشل الخطوط السعودية، وانسحاب شركتي «ناس» و»سماء» من سوق الطيران وتعليق معظم رحلاتها وتسريح موظفيها، وبقاء السيارات الخاصة هي الحل الوحيد في بلاد تعد شبه قارة في مساحاتها المترامية! ولعل التصريحات الأخيرة للدكتور حبيب زين العابدين وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية حول قطار المشاعر من أنه - ليس كما كتب عنه - في الإنترنت يشبه أتوبيس مناحي من الداخل، هي ما سيثير ردود أفعال ضده، ليس تفنيداً لمقولته، وإثباتاً بأن القطار بدائي ومتواضع الإمكانات، بل دفاعًا عن أتوبيس مناحي، لأنه ليس من اللائق أن يكون موضع سخرية وتندّر ممن في مقام وكيل وزارة، فالأتوبيس وإن كان متواضعًا في الإمكانات، فهو يعتبر ملمحًا من ملامح مدينة الرياض، وحتى لو كان مصدرًا للتلوّث والقيادة المتهوّرة فهو لن يكون في فوضى سيارات الليموزين، فضلاً عن أنه يقوده مواطنون يصرفون من دخله البسيط على أسرهم الفقيرة! كما أن هذا الأتوبيس المتواضع ظل يمثّل حركة نقل عام لمدة نصف قرن في الرياض، منذ أن كانت قيمة المشوار ربع ريال إلى أن أصبحت ريالين دون أن يكلف الدولة شيئاً، كما هو القطار الأخضر الفاقع الذي يذكّرني بضفدع يتهيأ كي يقفز من حافة بحيرة! ولعل لي الحق - يا سعادة الوكيل - بالقول إن أتوبيس مناحي أو أتوبيس خط البلدة يعد عالميًا، بل أكثر عالمية من قطار المشاعر، لأنه يكتسب عالميته من محلّيته العريقة، التي تشبه، مع الفارق طبعًا، تاكسي لندن العريق، أو تاكسي القاهرة الأسود والأبيض، حيث المدن والعواصم تكتسب خصوصيتها من وسيلة النقل العام فيها، أكثر ربما من مظاهر العمران وناطحات السحاب المتناسخة بين المدن! هذا الأتوبيس المتواضع - يا سعادة الوكيل - كان له كلمة مهمّة وموقف معروف في زمن ماض، بعدما انطلقت حافلات شركة النقل الجماعي العام، حيث تداول الكل قرار إيقاف خدمات نقل خط البلدة، مما جعل هؤلاء البسطاء يركنون أتوبيساتهم المتواضعة في ساحة عامة كي يدافعوا عن حقوقهم، وألا يجبروا على الالتحاق بشركة النقل الجماعي، ولا يوقف نشاط أتوبيساتهم الخاصة عن العمل، فكان لهم ما أرادوا، وبالفعل تضاءل نشاط أتوبيسات الشركة داخل المدينة بعد سنوات قليلة، واكتفت برحلات السفر بين المدن، ولم يحتمل زحام المدينة وتواضع أعداد الركاب فيها سوى أتوبيسات السيد مناحي! إذن، علينا أن نلوّح بالتحية إلى أتوبيسات خط البلدة، التي تعد ذاكرة مدينة وعاصمة مهمة كالرياض، وعلينا أن نحيي هؤلاء السائقين الأوفياء الذين هم أصحاب مهنة وأولياء أمور وأرباب أسر يعيشون بيننا بكرامة وعزّة واعتداد، وعلينا أن نحيي الممثل الكوميدي فايز المالكي الذي صنع أسطورة هذا الأتوبيس المتواضع بعد أن نقله إلى العالم عبر الشاشة الفضّية.