حالف الحظ مدينة بورتلاند الأميركية عندما أفلست الشركة الخاصة التي كانت تدير نظام مواصلاتها العامة في ستينات القرن الماضي، فكانت فرصة لبناء نظام مواصلات جديد يتناسب مع استراتيجية"النمو الذكي"، أي التوسع المحدود في الضواحي الذي يرتكز على أساس وجود أحياء مصغّرة قائمة بذاتها، بحسب موقع"نشرة واشنطن"الإلكتروني. وعمدت المدينة إلى إنشاء شبكة فاعلة من خطوط الحافلات الأتوبيس وقاطرات السكة الحديد الخفيفة وخطوط الترام المتصلة للحدّ من التلوث الناجم عن السيارات وتخفيف حركة السير على الطرق السريعة وشوارع المدينة. ويستخدم حالياً 15 في المئة من سكان المدينة شبكة المواصلات المحلية، جاعلين من بورتلاند واحدة من مدن الولاياتالمتحدة العشرين الأكثر استخداماً للمواصلات العامة. وكان توسع الضواحي الذي استمر وانتشر من دون إبطاء في مدن أميركية عدة أدى إلى إطالة رحلات التنقل في السيارات بعد ان ازداد الازدحام وساءت حال التلوث. ورد كثير من حكومات الولايات، التي تتلقى في كثير من الأحيان دعما فيديرالياً، على الوضع ببناء مزيد من الطرق السريعة. ودوى النذير في السنوات الأخيرة عندما ارتفع سعر النفط الخام ارتفاعاً كبيراً. وبدأت كل مدينة من المدن الكبرى تدرس خياراتها لتحسين وسائل النقل، لا سيما المواصلات العامة"الأكثر اخضراراً"أي الملاءمة للبيئة. وتشير إحصاءات"الجمعية الأميركية للمواصلات العامة"إلى أن 16 في المئة من أنظمة النقل العامة تستخدم مصادر بديلة للطاقة. ففي بورتلاند يستخدم وقود الديزل المنخفضة الكبريت لتشغيل سيارات الأتوبيس العادية والديزل البيولوجي لتشغيل الأتوبيسات الصغيرة. وتوجد بلديات، بما فيها بورتلاند وإنديانابوليس ومنيابوليس تنفذ مشاريع طليعية تجريبية باستخدام أتوبيسات مهجّنة تمزج بين الوقود والكهرباء أو تخطط لاستخدامها في المستقبل القريب. واعتمدت نيويورك خطة نقل شاملة خضعت تحسينات على مستوى مصغّر، كالسيطرة الرقمية على إشارات المرور في استخدام مصابيح مقتصدة للطاقة في محطات المترو والأتوبيس. وفي بورتلاند عدّلت الوكالة المشرفة على النقل أجهزة نقل الحركة في الأتوبيسات، لتحسّن كفاءة استعمال الوقود بنسبة 15 في المئة. ويقدم عدد من المدن الأميركية حسومات ومنحاً مباشرة كحوافز للركاب ليتحولوا من التنقّل بواسطة السيارات إلى استخدام القطار أو الأتوبيس. غير أن فرض وسائل ردع أخرى، مثل الرسوم على الطرق والإشارات الضوئية على مداخل الطرق السريعة والأجور العالية في مواقف السيارات لا يزال موضع جدل غير مقبول سياسياً في كثير من الأحيان. واختارت مدن تطبيقها بحذر لمعرفة مدى تقبل المواطنين لها. واعتبر الخبير، براد تمبلتون، ان المشاركة بالسيارات ركوب عدة أشخاص في سيارة واحدة في مدن كبيرة، يؤدي إلى اقتصاد في الطاقة أكثر من الاقتصاد في استخدام المواصلات العامة. واضاف ان الجدل حول النقل، غالباً ما يخطئ أهم نقطة هي أن"النقل العام وسيلة وليست غاية في ذاتها"، فالغاية هي التنمية الاقتصادية والبيئة الصحّية ونوعية أفضل للحياة. واوضح ان أفضل نظام للنقل لن يحقق النتائج المرجوة إذا كان يخدم مدينة مترامية الأطراف، فالناس الذين يقيمون في أحياء كثيفة السكن يستهلكون طاقة أقل ويستخدمون وسائل نقل أقل من القاطنين في أحياء عادية. ولفت إلى ان طريقة معالجة مشاكل الطاقة وتغيّر المناخ لا تكمن في إصلاح نظام المواصلات والنقل، بل بجعل استراتيجية النمو الحضري أكثر استدامة وبتصميم نظام نقل يلبي أهدافها. وتأمل مدينة بورتلاند الكبرى أن تحقق هذا الهدف، بحيث تستوعب زيادة سكانية نسبتها 50 في المئة بحلول 2035. لكن منطقة بورتلاند العاصمة المدينة وضواحيها شأنها شأن العواصم الأخرى، تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتواجه عجزاً مالياً كبيراً، وهي تأمل أن تذلل هذا التحدي بالمشاركة مع القطاع الخاص. نشر في العدد: 16682 ت.م: 06-12-2008 ص: 20 ط: الرياض