ربطتني بالشيخ يوسف بن عبدالله الخريجي - رحمه الله - علاقة حميمة في مرحلة من حياته، ولم تكن هذه العلاقة نابعة من صلة القرابة فحسب، وإنما لأنني وجدتُ في الفقيد الشيء الكثير من صفات الرُّجولة التي حبّبتني فيه وشجّعتني للاقتراب منه، ومكّنتني من أن أتعرّف على جوانب متنوّعة من شخصيته واهتماماته، وأن آخذ إثر ذلك انطباعاً إيجابياً عن الرجل الكبير منذ الوهلة الأولى التي التقينا فيها معاً وحتى آخر لقاء تمّ بيننا وإلى أن انتقل إلى رحمة الله. *** كنتُ كثير الإعجاب بثقافته، وحسن مناقشاته، وحرصه على معرفة ما استجدّ في مختلف العلوم والمعارف من خلال الحوار مع الآخر وتنوُّع مصادر قراءاته، وكان يثير فيّ الانتباه ذلك الأسلوب المتميِّز في تعامله مع ضيوفه ومريديه وزائريه في قصريْه بكلٍّ من المدينةالمنورةوجدة، وما من مرّة كنت أسعد فيها بزيارته إلاّ وكان ذهني ونظراتي تقوم بسياحة - لا إرادية - على ما يتمتّع به من ذوق رفيع في اختياره للألوان والقطع النادرة من تحف ومفروشات لقصريْه، حتى عدّا من أجمل القصور في المملكة من حيث الأناقة واختيار الموقع والمواصفات والوظائف، ومثلي من المؤكد أنّ هناك من أثاره هذا الجمال في قصريْه وهذه الذائقة الفنية التي كان يتمتع بها الفقيد في حياته. *** كان قبل اعتلال صحته ومنذ بواكير شبابه كثير الأسفار، سائحاً بامتياز لمختلف دول العالم، فلا يكتفي في رحلاته على إنجاز أعماله التجارية التي أعطاه الله سعة فيها، ونجاحاً غير محدود في كلِّ مجالاتها، وإنما كان يقرأ ويبحث ويسأل ويستزيد من المعارف والعلوم الأخرى، دون أن تلهيه تجارته، أو تصرفه أعماله عن مواهبه واهتماماته ونشاطاته الأخرى. *** لقد باعدتْ بيننا مواقع الإقامة، فحرمتني المسافات الطويلة وطبيعة عمل كل منا من أن أكسب معه أوقاتاً ومناسبات ومصادفات أكثر، وأن أتعلّم من الراحل الكبير المزيد مما كان يثير فيَّ الإعجاب، والشعور بأني كنتُ أمام شخصية مبهرة في نجاحاتها وتميُّزها وتمتُّعها بصفات لا تتكرّر إلاّ في القليل من خيرة الرجال. *** لن أتحدث عن كرم يوسف الخريجي - رحمه الله - ولا عن وفائه مع أقاربه وأصدقائه ومحبِّيه، ولا عن إنسانيته وأعماله الخيرية، فهذا جانب من شخصية الرجل الذي ظلّ يحيطها بالسرِّية والكتمان، كما أنّ تأبيني له لن يعتمد على معرفتي بتديُّنه ودعمه وخدمته لبيوت الله، أو على تواضعه وتفهُّمه لأقصر الطُّرق لكسب محبة الناس، مع أنه لم يكن ذا حضور لافت في المناسبات الاجتماعية نسبة ومقارنة بعدد ما يفد إلى بيته المفتوح لكلِّ الزائرين، وإنما قصدتُ أن أرثيه لأذكِّر فقط بخسارة الوطن لرجل شهم من الرجال المعتبرين، حيث كان أحد روّاد الاقتصاد والتجارة الناجحين في الوطن، ممن يشار إلى إسهاماتهم في خدمة بلادهم بكلِّ أريحية وإخلاص. *** إنّ أعظم تخليد لاسم يوسف الخريجي، وتذكير الناس بعطاءاته، وتعريفهم بخبرته الطويلة المتميّزة وما صاحبها من نجاحات، هو أن تُكتب سيرته في كتاب ليقتفي أثره من يسعى من شبابنا إلى بلوغ ما بلغه الراحل الكبير من نجاح، وهذه مسؤولية ابنه الأخ رعد الخريجي وشقيقيه فيصل ومحمد، على أنّ هذا المقترح لا يغني عن ضرورة التوجُّه نحو إنشاء مؤسسة أو مبرّة خيرية باسم الفقيد لتكون امتداداً على طريق الخير لأعمال والدهم في حياته، وربما كان من الوفاء ليوسف الخريجي أيضاً أن تطلق أمانة المدينةالمنورة اسمه على أحد الشوارع أو الميادين في المدينةالمنورة. فقد عوّدتنا أمانات المدن وبينها - أمانة المدينةالمنورة - على الاحتفاء بالرّموز من أبناء الوطن حتى وإنْ كان ذلك بعد وفاتهم. *** أحرّ التعازي القلبية لوالدة وأبناء وابنة الفقيد ووالدتهم، كما هو العزاء لأشقائه وشقيقاته، وجميع أفراد أسرتيْ الخريجي والفضل، سائلين الله أن يتغمّد الشيخ الخريجي بواسع رحمته ورضوانه، وأن يلهم أهله وذويه وكلّ المفجوعين بوفاته.